للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يفعل مثل ذلك، إذ غايته أنه يخيل إلى الناس أشياء في الظاهر. أما الحقائق فتبقى كما هي من غير تغيير، وعصى موسى قد غيرت الحقائق، بل ابتلعت كل ما كانوا يفعلون من العصى والحبال.

علم السحرة أن السحر لا يفعل ذلك، إنما هي القوة الإلهية التي صنعت ذلك، القوة القادرة التي هي فوق قوى البشر جميعا، فخروا ساجدين لله بلا شعور ولا نظام ولا ترتيب وآمنوا برب موسى وهارون، مفضلين الحق على الباطل، رامين بقول فرعون وأجره وباطله وجبروته عرض الحائط، غير عابثين بما يترتب على ذلك من نتائج.

لما رأى فرعون ذلك تحير ماذا يفعل في هذا الحدث الخطير الذي شاع وانتشر بين الشعب جميعه، وكان في طلبه الناس ليشهدوا الحفل، وجمعه السحرة ليعجزوا موسى، كان في هذا كله كالساعي لحتفه بظلفه.

ثم التفت إلى السحرة الذين خذلوه في وقت هو في أشد الحاجة إلى أن ينصروه، وقال لهم متوعدا: آمنتم له، وصدقتم برسالته عن ربه قبل أن آذن لكم؟!! إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة، وهو تدبير اتفقتم عليه سابقا، إنه لكبيركم الذي علمكم السحر قديما، قال هذا وهو يعلم أنه ربي في بيته ثم هاجر إلى مدين، وعاد منها رسولا، فلم يجتمع بالسحرة أبدا، ولم يدبر معهم أمرا، ولا علمهم علما، ولكنه المغلوب يتخبط تخبط الأعمى.

ثم هددهم بالعذاب المادي فقال لهم: لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف، ولأصلبنكم جميعا في جذوع النخل، ولتعلمن بعد هذا: أينا أشد عذابا وأقوى؟! قال السحرة مقالة المؤمن الواثق، المؤمن الفاهم، المؤمن العالم بحقائق الأشياء قالوا:

لا ضير علينا، ولا ضرر، فيما يلحقنا من عذاب الدنيا، فعذابك ساعة نصبر عليها، ونلقى الله مؤمنين، إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ وماذا يفعل عذابك؟ إنه لن ينال إلا الجسد الفاني، والمادة الزائلة، أما نحن فيستحيل علينا أن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والهدى، والنور الذي قذفه في قلوبنا ربنا، فاقض ما أنت قاض، إنما تقضى هذه الحياة الدنيا، إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا لأن كنا أول المؤمنين، إنا نطمع فيه أن يغفر لنا خطايانا، وما أكرهتنا عليه من السحر، واعلم أن الله خير وأبقى.

هكذا أيها الأخ المسلم قديما وحديثا كان العذاب والإيلام لأخيك المؤمن الذي قال

<<  <  ج: ص:  >  >>