والذي أطمع وأرجو أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين والحساب، وهل لإبراهيم خطيئة وذنب؟ إنه من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين، فمخالفة الأولى من هؤلاء ذنب، وإن كان منا ليس ذنبا.
هذا هو الثناء على الحق جل جلاله بما يليق ثم أتبعه بالدعاء لنعلم أن من وسائل الاستجابة الثناء والتضرع والعبادة الخالصة ثم الدعاء، فإن دعونا بدون ذلك فقد جانبنا أدب الدعاء.
رب هب لي حكما وحكمة، وعلما وفضلا يا واسع الفضل، وألحقنى بالصالحين في الدنيا والآخرة كما
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم عند الاحتضار «اللهم في الرفيق الأعلى»
وإذا كان دعاء إبراهيم- عليه السلام- وهو أبو الأنبياء- عليهم جميعا الصلاة والسلام- أن يلحقه ربه مع الصالحين فما بالنا نحن؟ وبماذا ندعو الله؟!!!.
يقول إبراهيم داعيا ربه: واجعل لي لسان صدق في الآخرين أى ذكرا جميلا، وثناء حسنا أذكر به، ولهذا كانت كل أمة تحبه وتتولاه، وتؤمن به وتدعى أنها على طريقته، وقيل معنى الآية: واجعل لي صاحب لسان صدق في الآخرين يجدد أصل ديني، ويدعو الناس إلى ما كنت أدعوهم إليه، من التوحيد الخالص والإيمان بالبعث وبيوم القيامة. وصاحب هذا اللسان الصادق هو محمد صلّى الله عليه وسلم.
واجعلنى من ورثة جنة النعيم الذين يعطونها ويستحقونها بعملهم كاستحقاق الوارث من مال مورثه، واغفر لأبى إنه كان من الضالين الذين لم يعرفوا طريق الحق وهذا الدعاء قبل أن يتبين له أنه عدو لله فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ [سورة التوبة آية ١١٤] .
ولا تخزني يوم يبعثون، يوم لا ينفع مال ولا بنون، فإنه لا يقي المرء من عذاب الله ماله، ولو افتدى نفسه بملء الأرض ذهبا، ولا يقيه بنوه، ولو افتدى بمن في الأرض جميعا، ولا ينفع يومئذ إلا الإيمان بالله، والإخلاص له والبعد عما يغضبه من المعاصي والشرك، ولهذا قال الله: إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ سالم من دنس الشرك والمعاصي سليم من الشك والنفاق إذ هي أمراض القلوب فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [التوبة ١٢٥] .
هذا حال إبراهيم الخليل مع أبيه وقومه يحاجهم ويناقشهم، وهذا حاله مع ربه يثنى