بآية دالة على صدقه قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ من سورة الأعراف، وقال لهم صالح: أتتركون في ما ها هنا آمنين؟ أى أتتركون في دنياكم هذه آمنين تتقلبون في النعيم آمنين من العذاب؟ والمعنى لا تظنوا ذلك، ولا ينبغي لكم أن تعتقدوا أنكم تتركون على هذه الحال. أتتركون في ما ها هنا آمنين، في جنات وعيون، ونخل طلعها هضيم؟ لا يعقل أن تتركوا على ما أنتم عليه من الشرك والكفر والظلم المبين، وأنتم تمرحون في بحبوحة من النعيم، وتتمتعون بالجنان والأنهار والزرع والثمار، والنخيل ذات الطلع اللين الجميل.
أتنحتون من الجبال بيوتا فارهين؟ الاستفهام هنا للإنكار، والإنكار منصب على قوله فارهين، على معنى لا تنحتوا من الجبال بيوتا وأنتم فرحون فرح بطر وأشر، مع السرعة والنشاط فإن هذه المعاني تفيد الإخلاد إلى الدنيا والركون إليها مع عدم الإيمان بيوم القيامة. فاتقوا الله أيها القوم، ولا تطيعوا المسرفين على أنفسهم بالمعاصي وارتكاب الخطايا، لا تطيعوهم في أمر من الأمور، فإنهم هم الذين يفسدون في الأرض، ولا يصلحون أبدا في وقت من الأوقات، وهؤلاء هم أشراف القوم والملأ أما ضعاف الناس فآمنوا بصالح ورسالته قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ. قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٧٦) من سورة الأعراف وقال الذين استكبروا أيضا يا صالح: إنا لفي شك مما تدعونا إليه بالرسالة منك فإنا ذو جاه ومال، وإن كنت رسولا فائت بآية تدل على صدقك، وأغلب الظن أنك رجل سحرت حتى ضاع عقلك فادعيت ما تدعيه، قال صالح: هذه ناقة الله، وهي آية ومعجزة دالة على صدقى، ولها شرب ولكم شرب يوم معلوم، والذي
روى أنها ناقة خرجت من صخرة، وكانت تشرب الماء كله في يوم ثم تعطيهم بدله لبنا منها، ولهم ولأنعامهم وزروعهم شرب في يوم آخر
، ويظهر- والله أعلم- أن ذلك عنوان كون الناقة آية، وإلا لو كانت ناقة عادية فكيف تكون دالة على صدق صالح، وطالبهم بأنهم لا يمسوها بسوء بل يتركونها تشرب في يومها، وترعى حيث تشاء، ولا يمسوها بسوء أبدا، وحذرهم أنهم إن تعرضوا لها فسيصيبهم عذاب شديد.