حق بهم العذاب من كل جانب، واستحقوا عذاب الدراين بدليل أن الله- سبحانه- أهلك كثيرا من أهل القرى بأنواع العذاب الشديد المبيد المهلك لكفرهم، وقد كانوا يمرحون في النعيم، ويعيشون في بلهنية من رغد العيش فمن الخير لكم يا كفار مكة أن تخشوا بأس الله، ولا تغتروا بالأمن الذي أنتم فيه، فكثير من أهل القرى كانت مثلكم فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف جزاء لما كانوا يعملون، وها هي ذي مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا، وكان ربك خير الوارثين، تلك سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا، وليعلم الكل أنه هو الحكم العدل، صاحب الموازين القسط، فلا تظلم نفس شيئا، وما كان ربك مهلك القرى والجماعات حتى يبعث رسولا يدعوهم إلى الهدى، ويرشدهم إلى الصراط المستقيم، فإن اتبعوه وآمنوا به نجوا جميعا، وإن خالفوه وكفروا به ضلوا وحاق بهم سوء العذاب فما ثبت في حكمه الماضي وقضائه السابق أن يهلك القرى حتى يبعث في عاصمتها رسولا يتلو عليهم الآيات لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وكان هلاكه للظالمين فقط، الكافرين بالله ورسوله، وها أنتم أولاء جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص على إيمانكم، بالمؤمنين رءوف رحيم، فاحذروا العذاب إن بطش ربك لشديد ...
وهذا رد آخر على من يشترى الضلالة بالهدى. ويبيع الباقية بالفانية والآخرة بالدنيا، وما أوتيتم من شيء من الدنيا ونعيمها فهو متاع الحياة فقط وزينتها، والآخرة خير وأبقى، وما عند الله من ثواب وجزاء خير من الدنيا وما فيها، إذ متاع الحياة الدنيا متاع زائل ينقصه ذكر الموت، وفناء الخلق، أفلا تعقلون؟ وتتعظون وتؤثرون الدين على الهوى والغرض!!.
أفمن وعدناه وعدا حسنا على العمل الصالح فهو لاقيه حتما ومصيبه في الجنة بلا شك، أفمن وعدناه هذا كمن متعناه المتاع الفاني، والغرض الزائل، ثم هو يوم القيامة من المحضرين؟!! الأول هو المؤمن والثاني هو الكافر، ولا يعقل التساوي بينهما! فمن العقل والحكمة أن نكون من الصنف الأول الذي يجمع بين الوعد الحسن في الآخرة، والعمل الصالح في الدنيا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم..
وفي هذه الآيات رد على مزاعم المشركين، وشحذ لعزائم المسلمين في وقت هم في أشد الحاجة إلى ذلك، ثم بعد ذلك تعرض القرآن لحال الكفار يوم القيامة.