وتخفيف حدة الحسد والحقد بين الطبقات، والمن والأذى يخرجها عن وضعها الصحيح، والله واسع الفضل غنى لا يحتاج إلى عطاء الغنى، بل أوجبها تأكيدا للصلة وجلبا للمحبة والتعاطف، حليم لا يعاجل بالعقوبة لمن يستحقها.
والمن والأذى طبيعة في النفوس وغريزة في بنى الإنسان ولذا حرمهما الله بأن شرط في النفقة الشرعية خلوّها من المن والأذى وبيّن أن العدول عن الصدقة التي يتبعها أذى إلى قول معروف خير من تلك الصدقة.
ثم بعد هذا كله خاطب المؤمنين بوصف الإيمان ليكون ذلك أدعى للقبول والامتثال، وحرم عليهم المن والرياء صراحة فقال: يا أيها الذين آمنوا لا تحبطوا ثواب صدقاتكم بالمن والأذى.
أفسدت بالمن ما أسديت من حسن ... ليس الكريم إذا أسدى بمنّان
فإنكم إن فعلتم ذلك كنتم كمن ينفق ماله للرياء والسمعة، والمرائى يظهر للناس أنه يريد وجه الله، وفي الواقع هو يريد وجه الناس ليقال عنه: إنه كريم وجواد وغير ذلك من أغراض الدنيا، ولذا وصفه الله بقوله: لا يؤمن بالله واليوم الآخر.
فمثل الذي يمن ويؤذى والذي يرائى كمثل حجر أصم عليه تراب وقد نزل عليه مطر شديد فذهب التراب وبقي الحجر أملس، وهكذا الذي يمن أو يرائى يلبس ثوبا غير ثوبه ثم لا يلبث أن ينكشف أمره ويتهتك ستره فيكون ما تلبس به كالتراب على الصفوان يذهب به الوابل فلا يبقى من أثره شيء.
ثوب الرياء يشف عما تحته ... فإذا اكتسيت به فإنك عار
فالذي يمن أو يرائى مذموم في الدنيا من الناس أجمعين. وأما في الآخرة فلا ثواب إلا للمخلصين الذين ينفقون ابتغاء مرضاة الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منّا ولا رياء، والله لا يهدى القوم الكافرين.