مثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء رضا الله وطلبا لمغفرته وتثبيتا لأنفسهم وتمكينا لها على فعل الخير، فإن المال شقيق الروح، وإنفاقه شاق وعسير على النفس، فإذا أنفقت بعض المال لله عودت نفسك على فعل الخير وثبّتّ بعضها، أما البعض الآخر فيثبت بالجهاد بالنفس في سبيل الله كما قال- تعالى- في سورة الحجرات: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [سورة الحجرات آية ١٥] .
مثلهم كبستان ذي أشجار ملتفة قد كست الأرض، وهو بمكان مرتفع متمتع بالشمس والهواء ينزل عليه المطر الغزير فيثمر ضعفين من ثمر أمثاله، وإذا نزل عليه مطر بسيط أثمر وذلك لجودة تربته ونقاء منبته.
والمعنى في هذا التمثيل: أن المنفق لله وفي سبيله ويقصد تثبيت نفسه على الخير كالجنة الجيدة التربة العظيمة الخصب، فهو يجود بقدر سعته وما في يده فإن أصابه خير كثير أنفق كثيرا وإن أصابه قليل أنفق على قدر سعته، فخيره دائم وبره لا ينقطع كالبستان يثمر مطلقا إذا نزل عليه مطر كثير أو قليل.
أما المثل الثاني: فهو لمن ينفق على عكس الأول وينفق في سبيل الشيطان ومرضاة لنفسه وهواه.
أيها المنفق لغير الله: أتود أن يكون لك جنة فيها النخيل والأعناب والزرع ومن كل صنف ولون تجرى من تحت جذورها الأنهار، لك فيها من كل الثمرات التي تشتهيها وأنت رجل كبير مسن قد أدركتك الشيخوخة وأصابك ضعف الكبر ولك ذرية من ذكور وإناث ضعفاء وصغار لا يقدرون على الكسب وتصريف أمورهم، وليس لك ولهم غير تلك الجنة، فأصابها بأمر الله ريح شديد وسموم كالنار أو أشد، أحرق الشجر وأباد الثمر وأنت في أشد الحاجة إلى نتيجة عملك وجدك في شبابك؟؟! فمن يرضى بهذا المصير الذي ينتظر كل من ينفق للرياء أو يتبع ما أنفقه بالمن والأذى.
إن من ينفق في سبيل الشيطان يظن أنه سينتفع بنفقته، كلا إنه كهذا المسن صاحب تلك الجنة، يأتى يوم القيامة فلا يجد لعمله إلا الحسرة والندامة.