لما بين الله- سبحانه- أن المقام الأعلى لمن آمن وعمل صالحا حيث قال: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ قال: إذا علمتم ذلك فاعلموا أن الإيمان تنزيه بالجنان، وتوحيد باللسان وعمل صالح يشمل جميع الأركان، وكل هذا تنزيه وتقديس، وتحميد وتسبيح، فسبحان الله، أى: فسبحوا الله تسبيحا، علمه سبحان الله وهو بهذه المعاني إيمان وتوحيد وعمل- فإنه الموصل إلى الحبور، والجالب للسرور في جنان الخلد والنعيم.
سبحوه حين تمسون، وحين تصبحون، وفي العشى وحين تظهرون، عن ابن عباس- رضى الله عنه-: «الصلوات الخمس في القرآن» قيل له: أين؟ فقال:«قال الله: فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ صلاة المغرب والعشاء وَحِينَ تُصْبِحُونَ صلاة الفجر وَعَشِيًّا صلاة العصر وَحِينَ تُظْهِرُونَ صلاة الظهر» ولعل تخصيص هذه الأوقات للعبادة إشارة إلى ما يجب عمله في تحصيل المعاش وجلب الرزق فالإسلام دين الجد والعمل لا دين الرهبانية والكسل.
ولله الحمد- سبحانه وتعالى- في السموات والأرض، نعم له الحمد من كل مخلوق، وهذه الجملة معترضة بين الأوقات للإشارة إلى أن هذا التسبيح لله في الصلاة إنما هو لأصحابه وألا يعود منه شيء على الله، فعليهم أن يحمدوه حمدا يوازى نعماءه وهدايته.
والله- سبحانه وتعالى- يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي، ويحيى الأرض بالنبات بعد موتها وجدبها، ومثل ذلك الإخراج والانتقال من حال إلى حال مخالفة تخرجون وتبعثون من موت وفناء إلى حياة خاصة للثواب والعقاب.
وعلى هذا فالمراد بالتسبيح في الآية ما يعم الصلاة والتنزيه لله عن صفات النقص ووصفه بصفات الكمال والجلال، ولا شك أن الصلاة عماد ذلك الدين وعموده.
ولعل المناسبة بين هذه الآية والآية التي قبلها أن الإنسان في الصباح يخرج من الموت الأصغر وهو النوم إلى الحياة، فكذلك تبعثون من الموت إلى الحياة الآخرة.
وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سرّه أن يكال له بالقفيز الأوفى فليقل: فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (الآية) .