وأما الصدقة فالله ينميها ويبارك فيها، وما نقصت زكاة من مال قط، والمتصدق محبوب عند الله والناس أجمعين، فلا حسد ولا بغضاء ولا سرقة ولا إكراه ولا إيذاء، وهذا كله مما يساعد على الزيادة والنمو في المال يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ والله لا يرضى عن المستحل للربا والمقيم على الإثم المبالغ فيه.
شأن القرآن إذا ذكر بعض المعاندين الظالمين الذين يفعلون فعل الكفار الآثمين، أن يعقب بذكر المؤمنين العاملين حتى يظهر الفرق واضحا فيكون ذلك أدعى للامتثال وأقرب للقبول ولذا يقول الله إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة ... الآية والمعنى.
«إن الذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا صالحا يقيهم من عذاب النار، خصوصا إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فإن الأعمال الصالحة مطهرة للنفس ومرضاة للرب ومجلبة لمحبة العبد في الدنيا، هؤلاء لهم أجرهم الكامل عند من رباهم وتعهدهم وأنشأهم من العدم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون أبدا» .
ثم بعد هذا التمهيد القيم الذي أظهر الله فيه آكل الربا بتلك الصورة الفظيعة وجزاءه في الدنيا والآخرة وما استتبع ذلك من ذكر المؤمنين الصالحين وجزائهم ناسب أن يأمر أمرا صريحا بترك الربا فيقول: يا أيها الذين اتصفتم بالإيمان الذي يتنافى مع الربا والتعامل به.
فالإيمان والإسلام سلام ورحمة وعطف وصلة، أما الربا فجشع واستغلال ونصب واحتيال ومعاملة دنيئة تتنافى مع أخوة الإنسانية مطلقا.
يا أيها الذين آمنوا خذوا لأنفسكم الوقاية من عذاب الله وذروا ما بقي لكم من الربا حالا، أى: اقطعوا المعاملة به فورا، فضلا عن إنشاء المعاملة من جديد إن كنتم مؤمنين، وإلا فلستم مؤمنين كاملين لأنه لا إيمان مع المعاصي خصوصا الربا فإن لم تفعلوا ما أمرتم به فاعلموا واستيقنوا بحرب من الله ورسوله، أما حرب الله فغضبه وانتقامه، وما الآفات الزراعية والاضرار التي تصيبنا في هذه الأيام إلا من أكل الربا واستحلاله، وأما حرب رسوله والمؤمنين فمناصبتهم العداء واعتبارهم خارجين على الشرع وأحكامه.
روى أن هذه الآية نزلت في ثقيف كان لها ربا على قوم من قريش فطالبوهم به فأبوا واختصموا إلى والى مكة عتّاب بن أسيد، فنزلت الآية وكتب بها الرسول صلّى الله عليه وسلّم إليهم، فلما علمت ثقيف بذلك قالت: لا طاقة لنا بحرب الله ورسوله.