للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متلازمان، والإرجاف بالفتنة، وإشاعة السوء نهاية النفاق، والمنافقون جمعوا بين هذه الأوصاف الثلاثة.

على أن المنافقين قوم برزوا في إظهار مرض القلب الذي ينشأ عنه كل إثم وفسوق وعصيان، وخاصة تتبع النساء والتعرض لهن بالسوء، وإغرائهن على الفاحشة، وفيهم قوم برزوا في الإرجاف وإذاعة السوء، وإذاعة الأكاذيب التي تفت في عضد الجماعة، وتقتل فيهم روح الإقدام، وكانوا ينتهزون فرص الحرب والقتال فيذيعون كل ضار ومفسد.

ولقد أقسم الله بنفسه مهددا لهم: لئن لم يكف هؤلاء المنافقون عن نفاقهم، وينتهوا عن أعمالهم القبيحة التي تنشأ عن مرض القلب وسوء القصد، وفساد النفس، ولئن لم يبتعدوا عن الإرجاف في المدينة بالسوء، لئن لم ينتهوا عن ذلك لنغرينك بهم!! إنه لتصوير بديع جدا حيث أبرز الرسول صلّى الله عليه وسلّم كأنه أسد مفترس أمامه فريسته ضعيفة مهينة، وهو ممنوع منها.

ثم هم بعد ذلك لن يجاوروك في تلك المدينة التي جئتها مهاجرا إلا زمنا قليلا، وقد كان ذلك كذلك.

وهم ملعونون ومطرودون من رحمة الله ومنبوذون من الناس حيث عرفوا وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً [سورة التوبة آية ٨٤] .

أينما ثقفوا ووجدوا أخذوا بالضرب والتنكيل والاحتقار، وهذا جزاء النفاق وهم يقتلون تقتيلا حيثما وجدوا، ولا غرابة في ذلك، فالأمم الحديثة الآن لا تعرف الرحمة مع الجواسيس والخارجين على الدولة الذين يطعنون من الخلف، ويتعاونون مع العدو مع تظاهرهم بالإخلاص.

وتلك سنة الله مع المنافقين في كل زمن، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ولا تغييرا.

يقول القرطبي في تفسيره لهذه الآية: «وفي الآية جواز ترك إنفاذ الوعيد، والدليل على ذلك بقاء المنافقين معه حتى مات، أى: النبي» .

ولعل السر في وضع هذه الآية هنا للإشارة إلى أن إيذاء الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالقول أو الفعل، والتعرض بالسوء لنسائه وبيته، وعدم امتثال أمر الله مطلقا وخاصة في ستر

<<  <  ج: ص:  >  >>