) يسفه أحلام أسلافكم، ويعيب آلهتكم.. وقالوا في شأن القرآن الذي يتلى: ما هذا إلا كذب واختلاق وزور وبهتان: ولما رأوا أثره في النفوس وفعله في القلوب قالوا: ما هذا إلا سحر مبين فهم يتخبطون ولا يدرون ماذا يقولون؟ فتارة قالوا: إنه سحر، وتارة قالوا إفك وكذب. وهذا شأن المتخبط المتحير الذي أغشى عينه قوة النور، وبهر نفسه بريق الحق فهو لا يدرى ماذا يقول؟! يا عجبا لهؤلاء! كيف توصلوا إلى ذلك الحكم على النبي صلّى الله عليه وسلّم؟! هل في سيرته أو في دعوته أو في شخصه ما يدعو إلى ذلك؟ معاذ الله إنه الصادق المصدوق، الأمين العفيف عن الدنيا وأعراضها الزائلة! الذي أتى بالهدى والرحمة للناس جميعا وما سندهم في هذا الحكم؟ أعندهم كتاب يقرءون فيه ذلك؟! أو أرسل إليهم قبلك يا محمد رسول بلغهم ذلك؟ لا.. لا لم يكن عندهم كتاب ينطق بتكذيب الرسول صلّى الله عليه وسلّم ولم يرسل قبلهم رسول يكذبه، ولم يكن عندهم في الخارج أى دليل على صدق قولهم بأنه ساحر أو كذاب أو به جنون؟! ولكنهم كذبوا لا عن دليل، وأعرضوا مع وجود ألف دليل ودليل على صدق الرسول، ولا غرابة فقد كذب الذين من قبلهم من الأمم السابقة، وما بلغ أهل مكة معشار ما آتينا تلك الأمم من قوة وسلطان، أو علم وحجة وبرهان.
فكذبت الأمم رسلي فكانت العقوبة الصارمة. والجزاء العاجل والهلاك المهلك فكيف كان عقابي؟ وفي هذا تهديد لهم شديد.
ثم رجع القرآن بعد هذا يستدرجهم. ويعرض عليهم الدين ويطالبهم أن يحكموا عقولهم، وينظروا ببصائرهم لعلهم يرشدون فقال: قل لهم يا محمد: إنما أعظكم وأذكركم، وأحذركم سوء عاقبتكم، أعظكم بواحدة، أى: بخصلة واحدة فقط هي أن تقوموا لله وحدانا ومجتمعين منفردين بالرأى أو متشاورين. ومعنى القيام هنا هو طلب الحق لوجه الحق، وما أقوى هذا التصوير وما أبلغه؟! إنه لتصوير رب العالمين بلا شك. تقومون تاركين القعود والكسل. والخمول والتقليد، تاركين موت النفس ونوم العقل متسلحين بيقظة الضمير ونشاط العقول، ناظرين متفكرين في هذه الرسالة وصاحبها، مجردين أنفسكم من كل ما يعوق البحث الحر، والفكر السليم الخالي من الهوى والغرض.