للذين آمنوا وادعوا أنهم من أتباع الرسول ومن أمة القرآن؟ ألم يأن لهم أن تخشع قلوبهم لنور الحق، وأن تخضع نفوسهم لحكم القرآن؟ ألم يأن لهم أن يرفعوا رءوسهم عالية مجاهدين طالبين مستميتين في طلب الحكم بالقرآن، والسير في ركاب الرحمن، وترك الهوى والشيطان؟!! ألم يأن للشعوب الإسلامية أن ترجع إلى دينها، وتثوب إلى رشدها؟! فلا هداية ولا سعادة إلا في ظل الدستور القرآنى، ومن يتبع غير حكم الله فأولئك هم الضالون أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ! وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة ٥٠] .
نحن لا نطالب بحكم القرآن إلا لخير المسلمين وقطع دابر الفتن وعبث العابثين مؤتسين بقول الحق على لسان الرسول صلّى الله عليه وسلّم: قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ.
وهناك موقف آخر:
ولو ترى يا أيها النبي- أو من يتأتى منه الرؤية- إذ فزعوا وخافوا واضطربوا يوم لقاء الله لرأيت أمرا عظيما، وشاهدت أحوالا هائلة يستريح لها قلب من عضه الألم، وحز في نفسه الحزن من أفعالهم.
لو تراهم إذ فزعوا فلا فوت ولا نجاة، وكيف النجاة وهم بين يدي القوى القادر؟
وقد أخذوا من مكان قريب فهم لم يرموا عن بعد بل أخذوا عن قرب فكيف يفلتون؟
وعند ذلك يقولون: آمنا بالقرآن والنبي، فهل ينفع الذين ظلموا إيمانهم في هذا الوقت؟ كلا! وأنى لهم التناوش من مكان بعيد؟ تمنوا أن ينفعهم إيمانهم في هذه الظروف كما ينفع المؤمنين إيمانهم في الدنيا، وأنى لهم ذلك؟. وهل يسوى بين من يتناول الشيء من مكان بعيد جدّا بيده كمن يتناوله تناولا سهلا من مكان قريب وبلا حاجز، وكيف يستويان؟
وهم قد كفروا بالقرآن والنبي من قبل ويقذفون بالغيب من مكان بعيد كقولهم في النبي: إنه ساحر، وشاعر، وكذاب، وهذا تكلم بالغيب ورجم به من جهة بعيدة جدا عن الحقيقة لأن ما جاء به أبعد شيء عن السحر والشعر والكذب، فهم أشبه ما يكون بمن يقذف الغرض من جهة بعيدة جدا، وهو غائب عنه غير مشاهد له، فهل يصيبه؟