الأقربون- وإلا فآباؤهم الأقدمون قد أنذروا بإسماعيل- عليه السلام- فهم غافلون عن طريق الحق والنور.
لقد حق القول على أكثرهم وثبت، إذ لا يبدل القول عند العزيز الحكيم، وعلى ذلك فالمراد بالقول: الحكم والقضاء الأزلى، تحقق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون، ولكن لا بطريق الجبر والإلجاء، بل باختيارهم وإصرارهم على الكفر والعناد، وفي هذا تطمين للنبي صلّى الله عليه وسلّم.
إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ وهذه الآية لتقرير الحكم السابق عليهم «١» بأنهم لا يؤمنون، ولا تنفع معهم النذر بالآيات، فالقرآن الكريم يريد أن يشبههم ويمثلهم حيث لم يؤمنوا ولم يذعنوا بمن غلت يده في عنقه فلم يستطع أن يتعاطى مقصودا للمعنى الحسى القائم به، وهو الغل البالغ إلى الذقن الذي جعل صاحبه مقمحا، أى: رافعا رأسه لا يستطيع أن يبصر تحت قدميه.
وقيل: إن الآية حقيقة وليس فيها (استعارة) وإنما هذا تصوير لهم يوم القيامة إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ [سورة غافر آية ٧١] .
وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ وهذا تمثيل آخر لهم أنهم وقد سدت عليهم طرق الإيمان سدا إلهيا معنويا يشبهون من سدت عليهم الطرق سداّ حسيا فلم يصلوا إلى مطلوبهم، والسد الذي بين أيديهم منعهم من قبول الشرائع في الدنيا، والسد الذي خلفهم منعهم عن قبول البعث، انظر إلى قوله تعالى: وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ [سورة فصلت آية ٢٥] والمراد زينوا لهم الدنيا فاغتروا بها، وزينوا لهم الآخرة فكذبوا بها.
وجعلنا من بين أيديهم سدا، ومن خلفهم سدا فأعميناهم عن الحق فهم لا يبصرون وسواء عليهم إنذارك وعدمه- وهذا توبيخ لهم- فهم لا يؤمنون.
هذا شأن من ختم الله على قلبه، وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله! وما ذاك إلا أنه صرف نفسه عن النظر الصحيح والرأى المجرد عن الهوى، البعيد عن ضلال التقليد.
(١) لذلك فصل بين الجملتين، والفاء في قوله فهي إلى الأذقان! وفي قوله فهم مقمحون فاء النتيجة والعاقبة.