ما أنتم أيها المشركون إلا في ضلال مبين حيث تفهمون هذا الفهم العقيم وتقولون:
متى هذا الوعد إن كنتم صادقين؟! كان الكفرة يستبعدون قيام الساعة، وتحقق الوعد للمؤمنين والوعيد للكفار والمشركين!! واسمع الجواب من جهته سبحانه وتعالى: ما ينتظرون إلا صيحة واحدة هي النفخة الأولى التي يموت بها أهل الأرض، وهل هم ينتظرون ذلك؟ لا ينتظرون بل هم مكذبون، ولكن لما كان لا بد من وقوعها جعلوا كأنهم منتظروها، هذه الصيحة تأخذهم فيهلكون بعدها فورا، وهم يتخاصمون ويتنازعون في أمور دنياهم أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [الأعراف ٩٥] فالناس عندها لا يستطيعون وصية في أمر من أمورهم إلى أهليهم، ولا هم يستطيعون الرجوع لهم بل تبغتهم على حين غفلة منهم.
ونفخ في الصور نفخة ثانية فإذا هم قيام من قبورهم، خارجون منها بسرعة إلى ربهم ليوفيهم حسابهم، وكان ذلك على الله يسيرا.
وماذا كان قولهم؟ في ابتداء بعثهم من القبور: يا هلاكنا احضر فهذا أوانك، أو يا قومنا انظروا وويلنا وهلاكنا وتعجبوا منه.
من بعثنا من مرقدنا؟ والقوم لاختلاط عقولهم ظنوا أنهم كانوا نياما، ولم يدركوا عذاب القبر فاستفهموا عن موقظهم، ولكنهم أجيبوا من الله على طريقة الأسلوب الحكيم: لا تسألوا عن الباعث والموقظ فلستم نياما وليس الباعث يهمكم وإنما الذي يهمكم حقا أن تسألوا ما هذا البعث ذو الأهوال؟ وما هذا الموقف الرهيب؟! والجواب إذا: هذا الذي وعدكم به الرحمن وقد صدق المرسلون فيما قالوا عنه.
وما كانت الفعلة التي حكيت قبل وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ إلا صيحة واحدة لا أكثر ولا أقل، وهي نفخ إسرافيل في البوق،
وروى أنها قوله بصوت مرتفع:«أيتها العظام النخرة والأوصال المتقطعة والشعور الممزقة إن الله يأمركم أن تجتمعوا لفصل القضاء» .
ما كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم مجموعون لدينا محضرون لفصل الحساب، فاليوم هو يوم الفصل ليس بالهزل، هو يوم القضاء العدل فلا تظلم نفس شيئا. ولا تجزون إلا بما كنتم تعملون وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ [سورة الأنبياء آية ٤٧] .