للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأعلى: أهل السماء الدنيا فما فوقها وهم الملائكة، وكانوا أعلين بالنسبة إلى ملأ الأرض، وكانت الشياطين يتسمعون، ولكن لا يسمعون، ويقذفون، أى: الشياطين ترمى وترجم من كل جانب من جوانب السماء إذا قصدوا الصعود إليها، أى: كل من صعد من جانب رمى منه الدحور والطرد والإبعاد. ولهم في الآخرة عذاب آخر غير عذاب الرجم بالشهب، عذاب دائم إلى ما شاء الله.

لا يسمعون إلى أخبار السماء، إلا من اختلس من كلام الملائكة مسارقة تبعه شهاب يثقب ما ينزل عليه.

ومن الثابت أن الشياطين كانت قبل البعثة ترمى وقتا، ولا ترمى وقتا، وترمى من جانب ولا ترمى من جانب، وبعد البعثة صاروا يرمون واصبا من كل جانب، كانت الجن قبل البعثة كالمتجسسة من الإنس قد يبلغ الواحد حاجته، وقد لا يبلغ، وقد يقبض عليه ويعاقب، وقد ينجو.

فلما بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم زيد في حفظ السماء. وأعدت لهم الشهب في كل مكان ليدحروهم عن جميع جوانب السماء ولا يقروا في مقعد من المقاعد التي كانوا يقعدونها فصاروا لا يسرقون السمع، ولا يقدرون على سماع شيء مما يجرى فيها إلا أن يختطف أحد منهم بخفة وحركة سريعة خاطفة فيتبعه شهاب ثاقب قبل أن ينزل على الأرض فيلقيها إلى إخوانه، وبهذا بطلت الكهانة، وثبتت النبوة والرسالة. وقد كانت الشياطين تصعد إلى السماء فتقعد منها مقاعد للسمع حتى إذا قضى الله أمرا وتحدث به أهل السماء استرقوه وأخبروا به بعض الكهان فيضيفون إليه الكثير فتصدقه الناس في الحق وفي الباطل، حتى إذا بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم وجدت الشياطين في السماء الشهب مرصودة لكل من يحاول السمع إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً. وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً [سورة الشعراء آية ٢١٢] [سورة الجن الآيتان ٨، ٩] .

فانظروا أيها الناس إلى عظم ملكوت الله وإلى مظاهر قدرته وقدس نوره- جل جلاله- انظروا واعتبروا لعلكم تهتدون.. وإذا كان الأمر كذلك فاستفتهم- الخطاب لأهل مكة ولكل مشرك بالله- أهم أشد خلقا؟ بل أم من خلقنا من عوامل السماء وما فيها من ملائكة وأفلاك وعوالم الأرض- وما تقل من بحار وجبال وأشجار وأنهار؟! -

<<  <  ج: ص:  >  >>