للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحسيرهم، وإيلامهم، احشروهم فاهدوهم إلى صراط جهنم، وعرفوهم طريقها، ووجهوهم إليها، وفي هذا تهكم بهم، وقفوهم في الموقف واحبسوهم فيه لماذا؟ إنهم مسئولون، ولكن عن أى شيء يسألون؟ لا يسألون عن عقائدهم، ولا عن أعمالهم فإن ذلك قد حصل، وإنما يسألون عما يتضمنه قوله: ما لكم لا تناصرون؟! أى مالكم لا ينصر بعضكم بعضا كما كنتم في الدنيا؟! وهذا سؤال للتوبيخ والتهكم بهم.

لا يقدر بعضهم على نصرة أخيه بل هم اليوم مستسلمون ومنقادون للعذاب لا ينازعون أبدا في أى شيء.

وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون عن طريق الخصومة والجدال العنيف، ولكن كيف يتساءلون؟ فأجيب: قال «١» الأتباع للرؤساء: إنكم أيها المتبوعون كنتم تأتوننا عن اليمين، واليمين عند العرب اصطلاح خاص فإنهم يتيامنون بها ويزاولون بها أشرف الأشياء، وبالشمال يتشاءمون، ويتناولون بها أرذل الأشياء وأحقرها، جاء القرآن فجعل اليمين لها كرامتها، ووعد المحسن باستلام كتابه بيمينه، والمسيء يستلم كتابه بشماله، وكان النبي يحب التيامن، ومن هنا استعيرت اليمين، أى: استعملت في جهة الخير وناحيته فقيل أتاه عن اليمين أى من قبل الخير.

وفي الآية يكون المعنى: إنكم أيها الرؤساء كنتم تأتوننا عن اليمين، أى: من جهة الخير فتصدوننا عنه، وكنتم تأتوننا عن اليمين، أى: من الجهة التي نحبها ونثق فيها فكنتم تحلفون لنا فنصدقكم، وكنتم تأتوننا عن اليمين، أى: عن الدين، أى: من قبل الدين فتهونون علينا أمر الشريعة وتنفروننا عنها.

وبعضهم يفسر اليمين بالقوة والقهر، بمعنى: كنتم تأتوننا عن جهة القوة والسيطرة وبحكم الرياسة لكم في الدنيا فتضلوننا سواء السبيل.

وماذا كان رد المتبوعين؟ قالوا: بل لم تكونوا مؤمنين بقلوبكم حتى يصدق علينا أننا نقلناكم من الإيمان إلى الكفر، بل كنتم قوما بطبعكم طاغين متجاوزين الحدود المعقولة مثلنا.


(١) - كل قول في القرآن كهذا (قالوا. قال ... إلخ) يكون جوابا عن سؤال مقدر، فهو استئناف بيانى واجب الفصل عن الجملة السابقة إذ هو جواب، والجواب يفصل عن السؤال.

<<  <  ج: ص:  >  >>