حتى يسمعها الله بالعشي والإشراق، أى: في صلاة العشاء وصلاة الضحى، وأنه سخر الطير معه محشورة كل له أواب، وشددنا ملكه، أى: أقويناه بالقوى المادية والأدبية، وآتيناه الحكمة ووهبناه النبوة، وأرشدناه إلى فصل الخطاب وإصابة الغرض والعدل في الأحكام وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ..؟ ولما مدح الله داود وذكر له صفات عشرا كلها ثناء عليه أتبع ذلك بذكر حادثة له. وبدأها باستفهام للتنبيه على القصد وسمو الغرض ولفتا للنظر، ألا ترى إلى قوله:«نبأ» والنبأ: هو الخبر المهم، وهذه القصة كانت مثار نقاش كثير من قديم الزمن، وخب فيها وأوضع القصاص ونقلة الأخبار، وقد ساعدهم على ذلك أن في التوراة والإنجيل ما يثبت لبعض الأنبياء- كداود- ما يترفع عنه عامة الناس، فكيف الحال مع الأنبياء والمرسلين؟
ونحن- المسلمين- نقول بعصمة الأنبياء، أى: ترفعهم عن الدنايا وبعدهم عن سفساف الأمور، فإنا نرى أن زعماء الإصلاح قوم غير عاديين يكونون غالبا بعيدين عن الدنايا والأنبياء- عليهم السلام- أولى بذلك منهم، وهم قوم اصطفاهم الله واختارهم، وصنعهم على يده فأرواحهم طاهرة، ونفوسهم عالية، يستحيل عليهم ما قاله الإسرائيليون في حقهم ونقله بعض علماء المسلمين ودونوه في كتبهم، وإن كنا رأينا كثيرا من العلماء نفى مثل هذه الأقوال بشدة كالفخر والبيضاوي وغيرهم.
ونحن نسوق القصة على أساس أن داود نبي الله وهو معصوم من الزنا والقتل والدس والوقيعة، فإن ذلك غير مقبول بحال من الأحوال، وسياق القصة يثبت ذلك فالقرآن قد ذكر لداود صفات كلها مدح وثناء فإنه تواب أواب وله زلفى ومكانة عند ربه، وصاحب قوة وفضل في عمله ثم ذكر القصة وأردفها بذكر مدائح له وهذا كله يتنافى مع وصفه بالفعل المنكر والعمل القبيح.
بعض الناس أثبت لداود أنه فعل الكبيرة كالزنا والقتل، وبعضهم أثبت له بعض الصغائر التي لا تليق.
وفي الواقع تتلخص الحادثة: أن داود كان ملكا له سلطان، وله أتباع وخدم، وله مصالح مادية مع الناس، وهذا كله يوجد له أعداء. واتفق أن جماعة من الأعداء طمعوا في أن ينالوا من نبي الله داود، وكان له يوم يخلو فيه للعبادة، وانتهزوا الفرصة وتسوروا عليه المحراب، فلما دخلوا عليه ووجدوا عنده ما يمنعهم من ذلك، اختلقوا كذبا وزورا