وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ وكأن اللقب السيئ حجر تنبزه في وجه أخيك فينبزك هو بمثله، ولله در النبي صلّى الله عليه وسلّم حيث يوصى بأن تدعو أخاك بأحب الأسماء إليه، وقد بدأ الله بالأهم حيث نهانا عن السخرية التي هي داء له دواع كثيرة منها حب التظرف، والرغبة في جلب السرور على الحاضرين، ومنها الحسد الكامن والداء الباطن، ثم ثنى باللمز لما فيه من الخفاء والإشارة، وصاحبه قد يستخف به، ثم ختم هذه الإرشادات بالتنابز بالألقاب لأنه أخفها فقد يكون اللقب المكروه مما يتسامح فيه صاحبه إذا شاع وذاع.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ ... (الآية) . وهذه إرشادات لما ينبغي مراعاته في حق المسلم إذا غاب، بعد بيان ما يجب مراعاته في حق المسلم وهو حاضر من ترك السخرية به واللمز عليه والتنابز معه بالألقاب.
وهذا القسم مشتمل على ثلاثة أمراض:
(أ) الظن السيّئ.
(ب) تتبع عورات أخيك.
(ج) إشاعة عوراته بين الناس بالغيبة، وتلك صفات لعمري تتنافى مع الإيمان الصحيح ولا يصح أن تكون في المؤمنين.
ولذا صدر الكلام بالنداء بوصف الإيمان، ولقد أخذ هذا القسم بالتدرج الطبعي، فإن أول بوادر الشر أن يخطر ببالك ظن سىء وتأويل غير مقبول لفعل أخيك، فتأخذ في تأكيد هذا الخاطر وتثبيته وبتتبع حركاته واستقصاء أعماله، لتبنى من ذلك كله عقائد يعلم الله أنها على أسس من الوهم والظن السيئ، وربما فعلها أخوك من غير قصد، ولو كان قلبك سليما من سوء الظن لما فهمت هذا، ثم يأتى بعد هذا التجسس دور الغيبة وإذاعة السوء محبة أن تشيع الفاحشة بين المؤمنين، وهو دور التقاطع والتدابر، والتباغض، وربما تفاقم الشر حتى يصل إلى أعلاه، وقد كان السبب أوهاما وخيالات لا أساس لها.