ولقد روى أنه صلّى الله عليه وسلّم قال:«أتدرون ما الغيبة؟» قالوا. الله ورسوله أعلم، قال:«هي ذكرك أخاك بما يكره» قيل: أفرأيت لو كان في أخى ما أقول؟ قال:«إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتّه» .
والغيبة تباح عند رفع الظلم، والشهادة في الخصومات، والاستشارات العامة، وكالتشنيع على المتجاهر بالمعصية، وما أروع هذا التمثيل حيث يقول الله: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً وحقا من ولغ في العرض فكأنه أكل اللحم من أخيه وهو ميت لا يقدر على رده، وكذلك المغتاب في غيبة أخيه ينهش من عرضه وهو لا يستطيع رده، فهذا أسلوب غاية في التنفير من الغيبة، ثم أتبع ذلك بقوله:
فَكَرِهْتُمُوهُ فقد صور المغتاب بصورة من يحب شيئا، حقه أن يكون في غاية الكراهية وهو أكل لحم الأخ، وزاده أن صوره بصورة الميت، وحقه أن يكون منه أنفر، وخلاصة المعنى: إن يفعل ذلك أحد فقد كرهتموه واتقوا الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم، وهو بالمؤمنين رءوف رحيم.
«وبعد» : فالغيبة عادة مرذولة، وصفة مستهجنة، كثيرا ما أودت بالصلات، وأثارت الأحقاد، وشتتت من جمع، وفرقت من شمل، وهي مع هذا عذابها شديد وعقابها أليم، وهي بالفساق أولى فاتقوا الله واجتنبوها
«وهل يكبّ النّاس على مناخرهم إلّا حصائد ألسنتهم» صدق رسول الله.
ما مضى كانت إرشادات إسلامية يوجهها الله إلى المؤمنين ليبين لهم أن مقتضى الإيمان ألا يحصل هذا منكم كما عرفنا سابقا. وهنا قال:«يا أيها الناس» لأن هذا الداء الذي هو التفاخر والتباهي بالأنساب والأحساب داء قديم عام في جميع الأمم، فهو يعرض للناس من حيث كونهم ناسا فهو في طبيعة الإنسان، ولقد عالج الله هذا الداء علاجا حاسما حكيما، فإنك تفضل هذا على ذاك إذا كان من معدن وهو من آخر، أو هذا من صنع فلان، وذاك من صنع فلان، فإذا كانت المادة واحدة والصانع واحدا ففيم إذن الاختلاف والتفاضل؟!