فتقسم خمسة، خمس لهؤلاء الخمسة كما في سورة الأنفال، والأربعة الأخماس الباقية للمقاتلين الذين حضروا المعركة على ما مر بيانه في سورة الأنفال، وإنما كان تقسيم الفيء على هذا النظام كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم يتداولونه بينهم، ويحرم الفقير منه، فإذا يفهم من هذا التعليل أن هذا المال يصرف للفقراء المحتاجين كما أنفقه النبي على المهاجرين دون الأنصار.
أيها المسلمون: ما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا، واتقوا الله، وهذا هو دستور الإسلام الحق الجامع لكل أمر ونهى، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ في سبيل الله فكأن الله قال: أعنى بأولئك الأربعة- لذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل «١» هؤلاء الفقراء المهاجرين والأنصار والتابعين وقال بعضهم: اعجبوا لهؤلاء الفقراء حيث تركوا الأوطان والأموال وتحملوا الضيق والتغرب في حب النبي صلّى الله عليه وسلّم وهل الفقر شرط في إعطائهم أو لا؟ قولان.
للفقراء المهاجرين الذي أخرجوا من ديارهم وأموالهم بغير حق إلا أن يقولوا: ربنا الله حالة كونهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا ناوين نصرة الرسول ودينه، أولئك الموصوفون بما ذكر من الصفات الجليلة هم الصادقون في دعوى الإيمان حيث نالهم ما نالهم من أجله.
وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ هم الأنصار- رضى الله عنهم- نزلوا المدينة واتخذوها مباءة ومنزلا للإسلام، وموئلا له، وألفوا الإيمان وأخلصوا له من قبل هجرة المهاجرين إليهم، يحبون من هاجر إليهم من المهاجرين، ولا يجدون في صدورهم حسدا ولا غيظا مما أوتوا- أى: مما أعطى المهاجرون من الفيء وغيره- مع حرمانهم منه، فنفوسهم لم تتبع ما أعطى المهاجرون ولم تطمح إلى شيء منه تحتاج إليه، على أنهم يؤثرون على أنفسهم غيرهم، ويقدمون المهاجرين على أنفسهم في كل شيء من الطيبات مع الحاجة إليه، حتى إن من كان عنده امرأتان نزل لأخيه المهاجر عن واحدة
(١) - هذا إشارة إلى أن قوله (للفقراء المهاجرين) بدل من قوله (لذي القربى) وما عطف عليه، وبعضهم يرى أنه متعلق بقول مقدر هو: اعجبوا للفقراء المهاجرين- وهذا خطاب لكل من يتأتى منه التعجب من حال المهاجرين حيث تركوا أمر أموالهم وأوطانهم، ويرشحه قوله بعد: ألم تر إلى الذين نافقوا!!