وليس عليك إلا الصبر، ولا تكن كيونس بن متى ذلك النبي الصالح الذي لاقى من قومه عنتا ومشقة وألما وهماّ، لا تكن مثله في الضجر والألم وعدم التحمل إذ نادى، ودعا على قومه، وهو ممتلئ غيظا وألما، ثم خرج من ديارهم كارها لهم كالآبق، فلما وصل إلى الساحل ركب السفينة، وانتهى الأمر إلى إيقاعه في اليم، فالتقطه الحوت، وهو مليم آت بما يلام عليه حيث لم يصبر على أذى قومه إلى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا ...
وفي سورة (ص) المزيد من قصة يونس.
ولكن الله تداركه بلطفه، حين استقر في بطن الحوت، وأصبح في ظلمات ثلاث فنادى الله اللطيف الخبير تائبا نائبا لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ «١» لما تداركه الله برحمته وقبل توبته ألقاه الحوت في العراء، والحال أنه غير مذموم إذ قبل الله توبته، فاجتباه وأرسله إلى أهل «نينوى» فآمنوا به، ومتعهم ربك إلى حين، ولا عجب فهو من الصالحين.
فيا رسول الله لا تكن كيونس، وإنما اصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل، وسيقضي الله أمرا كان مفعولا، واعلم أن هؤلاء المكذبين لا يألون جهدا في عداوتك فمهما لاقيت منهم فهو قليل، ولا أدل على ذلك من قوله تعالى: وإن يكاد الذين كفروا لينظرون إليك نظر الحاقد الكاره حتى كأنه من شدة الغيظ والحنق يكاد يزلق قدمك ويرميك من طولك، فهذه النظرات المسمومة كأنها سهام محسوسة حين يسمعون منك القرآن، أرأيت وصفا أدق من هذا للحقاد الحاسد! ويقولون: إنه لمجنون كما قالوا سابقا، وما هذا القرآن إلا ذكر للعالمين، وشرف للناس أجمعين، فهل يعقل أن يكون هذا القرآن آتيا على يد مجنون!!