كذلك- وقد تكلمنا عن يوم القيامة وعلى من كذب به، وما فيه من مواقف المتقين والمشركين كل ذلك ليثوب المشركون إلى رشدهم ويؤمنوا بالله ورسوله وباليوم الآخر، ولم يحصل هذا- فلا أقسم بما ترونه وما لا ترونه على أن هذا القرآن نزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم قاله مبلغا عن ربه الذي أوحاه إليه، لا أقسم على هذا لظهوره كالشمس أو هو أوضح، وهذا الرسول الكريم ما لكم تكذبونه، وتدعون تارة أنه شاعر، وأخرى أنه كاهن، وأخرى أنه افتراه على الله، عجبا لكم! أهذا القرآن كلام شاعر؟ وأنتم أعلم الناس بقول الشعر والشعراء! ما هو بقول شاعر لاشتماله على الحقائق والقوانين والقصص العالي، وما فيه من أحكام وشرائع الشعر عندكم خلو من هذا كله، فكيف يكون محمد شاعرا؟ وبطلان هذا ظاهر، وبهتانكم فيه أكبر، فلا غرو أن يوبخكم الله بقوله: قليلا ما تؤمنون! وكيف تقولون: إن القرآن كلام كاهن وأنتم تعلمون أن الكاهن له غرض مادى وليس في نفسه السمو والكمال، ولا يدعو إلى الفضيلة والمثل العليا، وهو إن صدق مرة فيكذب مرارا (وكلام الكهان سجع مصنوع وقول موضوع) على أن الكهانة انتهت بظهور القرآن، يقول: تذكروا وادرسوا القرآن لتفرقوا بينه وبين الكهانة قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ والقرآن ليس بالشعر وليس بالكهانة، وإنما هو تنزيل من رب العالمين وفيض من الخالق الرحمن الرحيم، وسرعان وذكر كريم أنزل على لسان رجل صادق مصدق ذي شرف وخلق كما تقرون له بذلك.
وكيف تدعون أنه اختلقه ونسبه إلى ربه، ولو تقول علينا بعض الأقاويل والأكاذيب لأخذناه أخذ عزيز قادر، وقطعنا منه حبل الوريد حتى لا يحيا لحظة واحدة في الوجود لأنه يكذب على الله جل جلاله، وما وجدنا أحدا يرد عنه كيدنا أو يقف منه موقف الناصر والمعين ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ!! [سورة الصافات آية ١٥٤] .
وإن القرآن لتذكرة وموعظة للمتقين، أولئك الذين صفت أرواحهم وطهرت، وخلت من العصبية الممقوتة أو التقليد الأعمى، وإنه لحسرة على الكافرين فهو يزيد المؤمنين إيمانا وسرورا، ويزيد الكافرين حسرة وارتيابا وظنونا، وإنه لحق هو اليقين، الذي لا شك فيه ولا شبهة، إذا كان الأمر كما عرفت وأن القرآن الذي أنزل عليك من