كانوا يتظاهرون أمامه بأن الأمر متروك للناس! وما كانوا يظهرون له أعمالهم الحقيقية، مكروا مكرا كبيرا، ولكن الله مكر بهم، وهو خير الماكرين.
ومن طرق المكر التي كان يسلكها أشرافهم ورؤساؤهم أنهم أشاروا عليهم بل ونهوهم عن التفريط في آلهتهم، وكانوا يظهرون لهم في ثوب الناصح الشفوق. لا تدعن آلهتكم التي عبدتموها وعبدها آباؤكم من قبل، ولا تدعن خاصة ودّا، ولا سواعا، ولا يغوث، ولا يعوق. ونسرا، إذ تلك زعماء الآلهة، وكأن الآلهة كالبشر فيها السوقة والخاصة، وفيها الأشراف والعامة، وقد انتقلت هذه الأصنام للعرب «١» .
يا رب: هؤلاء الأشراف والرؤساء هم سبب البلاء والشقاء فقد أضلوا كثيرا، وما زالوا يضلون، يا رب: لا تزد الظالمين إلا ضلالا فهذه إرادتك، وهذا عملهم فلا أمل فيهم يرجى، فيا رب نفذ فيهم إرادتك بهلاكهم.
من خطاياهم أغرقوا فأدخلوا نارا، بسبب خطاياهم التي أعظمها الكفر وإيذاء نوح وقد جاء خبره مفصلا في سورة هود، أغرقوا بالطوفان وماتوا فأدخلوا نارا ليأخذوا عذاب الآخرة بعد عذاب الدنيا ومع هذا كله لم يجدوا لهم من دون الله أنصارا ينصرونهم ويردون عنهم هذا العذاب، فأين آلهتهم وأصنامهم وأوثانهم؟ وأين (ود.
وسواع. ويغوث. ويعوق، ونسر؟) أين هؤلاء.
وقال نوح من كثرة ما لاقى منهم: رب لا تذر على الأرض من الكافرين- المعاصرين له- شخصا واحدا منهم يسكن دارا أو يدور ويتحرك، وهذه العبارة تفيد الدعاء عليهم بمحوهم بالكلية، وقد أجاب الله دعاءه إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ ثم أخذ نوح يذكر سبب هذا الدعاء- والأمر كله لله- إنك إن تتركهم بدون هذا العذاب العاجل يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا ذرية تكون فجرة كفرة بسبب إنحاء الكفر لهم وتقليدهم فيه.
أما المؤمنون الذين آمنوا بالله وبرسوله فيقول نوح في شأنهم: رب اغفر لي واستر ذنبي- إن كان- واغفر لي ولوالدي، ولمن دخل بيتي- ولعله أراد شريعته أو سفينته- واغفر للمؤمنين والمؤمنات من كل أمة وفي كل زمن.
ولا تزد الظالمين لأنفسهم بالكفر ولغيرهم بالإضلال إلا تبارا وهلاكا.
(١) - كان (ود) لبنى كلب بدومة الجندل، وكان على صورة رجل، و (سواع) لهمدان أو هذيل، وكان على صورة امرأة، و (يغوث) لمذحج، و (يعوق) لمراد أو لهمدان وكان على صورة فرس، و (نسر) لحمير وكان على صورة نسر. [.....]