قل لهم: وماذا أعمل لو لم أدعكم إلى الخير فعاقبنى الله بالسوء!! إنى لن يجيرني من الله أحد، ولن يدفع عنى العذاب أحد، ولن أجد من دونه ملتجأ فأنا مكلف ومأمور بهذا العمل من الله، ولو تأخرت لعاقبنى فما لكم تفعلون معى هذا!! قل لهم: إنى لا أملك لكم شيئا إلا أن أبلغ بلاغا جاءني من الله لكم، هذا البلاغ هو القرآن الذي يهدى إلى التي هي أقوم، إلا بلاغا من الله ورسالاته التي هي أوامره ونواهيه الدينية فمن سمع البلاغ ووعاه، وامتثل جميع الأوامر والنواهي، وتقبل الرسالات الإلهية وتدبرها كانت له الجنة خالدا فيها أبدا.
ومن يعص الله ورسوله في رسالاته وبلاغه، فيعرض عن سماعها وتدبرها والعمل بها فإن له نار جهنم خالدا فيها جزاء وفاقا لتكذيبه وإعراضه وسوء صنيعه.
ولا يزال المشركون سائرين في ضلالهم مغرورين بأنفسهم وبقوتهم، ويستهزئون بك وبوعيدك وبمن معك حتى يروا العذاب، فإذا رأوه فسيعلمون من هو أضعف ناصرا، ومن هو أقل عددا، وسيعلمون أى الفريقين خير مقاما وأحسن نديا!! فاحذروا يا آل مكة هذا.
وكان المشركون حينما يسمعون هذا التهديد بالعذاب يوم القيامة ينكرونه ويستهزئون به فأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يقول لهم: ما أدرى وقت هذا العذاب، أما نفس العذاب فواقع لا محالة، غير أنى لست أدرى أقريب هو أم بعيد؟ قد جعل له ربي زمنا طويلا.
هو عالم الغيب وحده، لا يطلع على غيبه أحدا، إلا من ارتضاه من رسول فإنه يطلعه على بعض غيبه مما يحتاج إليه في رسالته ويكون من الخير الاطلاع عليه، أما غير ذلك فلا يرقى إلى غيبه مخلوق من إنس أو جن أو ملك، وكيف يكون ذلك؟ وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ [سورة الأنعام آية ٥٩] .
والخلاصة: أن الله عنده علم الغيب، ولا يطلع عليه أحدا من خلقه إنسيّا كان أو جنيّا حكيما أو كاهنا أو غيرهما، إلا من ارتضى من رسله الذين هم أصحاب الشرائع السماوية، فإن الله أطلعهم على بعض غيوبه فكانت التوراة والزبور والإنجيل والقرآن وما فيهم. ذلك هو الغيب الذي أطلع الله عليه بعض خلقه بواسطة الوحى به على لسان الأمين جبريل وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ [سورة التكوير آية ٢٤] فالمراد بالغيب القرآن، أى: ما هو بمتهم عليه حتى يتصور أنه غير أو بدل.