وإن كان في الشر، وهذا قول المفتونين بمالهم وغناهم، أيظن أولئك أن الله لم يرهم، إن الله يعلم ما أنفق، ولا يقبل منه إلا الطيب.
يقول الشيخ محمد عبده- رحمه الله- في تفسيره: بعد أن أخبر الله- جل شأنه- بأن الإنسان قد خلق في كبد لام الجاهل المغرور على غروره حتى كأنه يظن أن لن يقدر عليه أحد. مع أن ما هو فيه من المكابدة كاف لإيقاظه من غفوته واعترافه بعجزه، وبعد أن وبخ المرائين الذين ينفقون أموالهم طلبا للشهرة وحبا في الأحدوثة مع حسن النية، أراد أن يبين لهؤلاء وأولئك أنه مصدر لأفضل ما يتمتعون به من البصر والنطق والعقل المميز بين الخير والشر.
أما كان الأجدر بالإنسان: وقد خلق الله له العين ليبصر بها، واللسان والشفة ليتكلم وينطق بهما، وهداه إلى طريق الخير والشر بما وهبه من عقل مميز، وبما أرسل له من رسل وبما أنزل عليه من كتب، وترك له بعد ذلك حرية الاختيار، أما كان يجدر به أن يختار سبيل الخير، وينأى بنفسه عن سبيل الشر، ويصعد بها عن الدنايا ويقتحم العقبة التي في طريقه- وللإنسان عقبات من نفسه وشيطانه وهما أدنياه- وذلك بأن يكون جودا لله فيفك الرقبة ويعتقها أو يعمل على ذلك بكل قواه، أو يطعم في المجاعة والشدة يتيما، والقريب أولى، أو مسكينا يده ملصقة بالتراب لا يجد شيئا، ثم كان بعد ذلك من المؤمنين الكاملين الذين يتواصون بالصبر على تحمل المكاره في سبيل الله، ويتواصون أى: يوصى بعضهم بعضا بالرحمة على خلق الله، لا تنس أن السورة تدور حول تسلية النبي ليتحمل أذى قومه.
أولئك- الموصوفون بما ذكر- هم أصحاب الميمنة السابقون السعداء في الآخرة، أما من كفر بآيات ربه الكونية والقرآنية فأولئك هم أصحاب المشأمة: أصحاب الشمال الأشقياء الخالدون في جهنم كما يشير إلى ذلك قوله: عليهم نار مطبقة من كل جانب، فلا خلاص لهم منها.