أمرها ومنحها القوى والغرائز التي تستكمل بها الحياة، فترتب على ذلك أن خلق لها عقلا يميز بين الخير والشر وذلك من تمام التسوية، وأقدرها على فعل المعصية التي تهلكها والخير الذي ينجيها ويقيها من السوء، قد أفلح من زكاها ونماها وأعلاها. وقد خاب وخسر من دساها حتى جعلها في عداد نفوس الحيوانات. فإن الإنسان يرتفع عن الحيوان بتحكم العقل والسمو بالنفس عن مزالق الشهوات، أما إذا انحط إلى المعاصي وحكم الشهوة في نفسه كان هو والحيوان سواء. ويصدق عليه: أنه دسى نفسه وأنقص مرتبتها وجعلها في عداد نفوس الحيوانات التي تحكمها شهوتها لا عقلها.
أقسم الله بذلك كله والمقسم عليه محذوف لتذهب فيه النفس إلى كل مذهب، وتقديره: لتبعثن، أو ليحاسبن المسيء على إساءته، والمحسن على إحسانه، وربما كان هذا هو الظاهر والدليل عليه هو ذكر قصة ثمود هنا، وقيل: إن الجواب (قد أفلح من زكاها) واللام حذفت منه، وقصة ثمود مع نبيهم صالح ذكرت قبل هذا.
كذبت ثمود بسبب طغيانهم حين انبعث أشقاهم الذي عقر الناقة، فقال لهم رسول الله صالح: احذروا ناقة الله وسقياها، وأطبق عليهم العذاب، ولم يترك منهم أحدا لأنهم رضوا عن فعل صاحبهم، والله لا يخاف عاقبة ما فعل بهم، لأنه عادل في حكمه وقوى قادر في عمله.