فأما من أعطى بعض ما عنده وبذل ما في وسعه، واتقى الله ومحارمه، ونهى النفس عن الهوى، وصدق بالحسنى والفضيلة تصديقا قلبيا مقرونا بالعمل الخالص فالله يجزيه ويهديه وييسر له الخصلة اليسرى والفعلة الطيبة لأن قلبه قد ملئ بالنور، واعتاد الخير، وأما من بخل بما عنده واستغنى به عن الناس، فلم يعمل لهم خيرا ولم ينظر لهم، لأنه مغرور بما عنده، وكذب بالفضيلة فالله يجزيه ولا يهديه، وييسره دائما للفعلة العسرى التي فيها حتفه وهلاكه، فكان الأول من أهل الجنة، وكان الثاني من أهل النار.
من صدق بالحسنى وعمل لها فأعطى واتقى. يسره الله لأيسر الخطتين وأسهلهما في أصل الخلقة وهي خطة تكميل النفس بالكمال وفعل الصالحات لتسعد بمزاياها في الدنيا والآخرة، وهذا- كما يقولون- أصل العادة التعود، فإذا تعودت أولا فعل الخير أصبح عادة لك بتيسير الله وهذا معنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى والعكس صحيح فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى لأن من مرنت نفسه على فعل الشر، واستشرى معها الفساد فإن الله- على حسب سنته- يسهل له تلك الخطة العسرى وهي الخطة التي يحط فيها الإنسان من نفسه ويرتمى في أحضان الرذيلة، أو إذا تردى في قبره وسقط، فماذا يغنى عنه ماله؟! ولكن كيف يحاسب الله العبد على ذنب أطلق له الإرادة فيه ومكنه من عمله! والجواب تكفل به القرآن فقال ما معناه: إن علينا وقد خلقنا الإنسان للعبادة، أى:
ليحرز الثواب في الدنيا والآخرة أن نهديه وندله على طريق الخير والشر، ونطلق اختياره، ونمكنه من العمل، وهذا تقويم له وتشريف، فمن يعمل بعد ذلك خيرا يثب عليه أو شرا يجاز عليه، وهذا كقوله تعالى: وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ وإن لله الآخرة والأولى، والله أنذركم أيها الناس نارا تلتهب وتحترق بشدة فاحذروها. فإنه لا يصلاها ولا يحترق بها إلا الشقي المبالغ في الكفر أو المعصية ولم يتب، وهو الذي كذب بالله وكفر. وتولى عن الحق وأعرض عنه، ولم يرجع إليه في لحظة من اللحظات، وسيبعد عنها التقى المبالغ في التقوى والهداية الذي يؤتى ماله يتزكى به لوجه الله، وليس لأحد عنده من نعمة أو يد يجازيه عليها لكن كل عمله وصدقته ابتغاء وجه الله ورضوانه وهذا الصنف سيعطيه الله في الدنيا والآخرة حتى يرضى. ألم يبين الله لكم أيها الناس طريق الخير وطريق الشر ونهاية كل، فمن يعمل بعد ذلك مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذررة شرّا يره، على أن العقل وحده وطبيعة الإنسان قد تدرك أصل الخير والشر.