فبيان سنن الكون للناس جميعا، وإن كون ما ذكر هداية وعظة فهو خاص بالمتقين لأنهم المنتفعون بهدى القرآن ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ «١» ولذا قال الله: هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ.
وإذا كان المؤمنون هم المنتفعين بما ذكر يجب ألا يضعفوا لما أصابهم من مس السلاح عند القتال وما يلزمه من التدبير، ولا يحزنوا على من قتل منهم في أحد فهو شهيد مكرم عند الله يوم القيامة، وما وقع ليس نصرا للمشركين ولكنه درس شديد للمسلمين، ولذا
ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم:«لو خيرت بين الهزيمة والنصر يوم أحد لاخترت الهزيمة»
لما في تلك الغزوة من التربية لكم على تحمل المشاق وبيان أن خروجكم على نبيكم ومخالفة أمره خروج على سنة الله في أسباب الظفر فلا تعودوا لمثله أبدا!! وكيف تهنون وتحزنون والحال أنكم الأعلون بمقتضى سنة الله في جعل العاقبة للمتقين؟ ألا تعلمون أن قتلاهم في النار وقتلاكم في الجنة؟! والمراد بالنهى عن الوهن والحزن النهى عن الاستسلام إلى ذلك، بمعنى التأهب والاستعداد مع العزيمة الصادقة والتوكل على الله والوثوق بالنصر، فإن الله وعد بذلك إن كنتم مؤمنين فاعملوا بهذا.
وكيف تضعفون ولا تعلمون حقيقة ما أصابكم من الألم، فأنتم إن أصابكم ألم في أحد فقد أصاب الكفار ألم أكثر منه في بدر، وإن هزمتم في أحد فقد انتصرتم في بدر.
فيوم لنا ويوم علينا ... ويوما نساء ويوما نسرّ
والأيام دول، والحرب سجال، وتلك الأيام نداولها بين الناس فنجعل للباطل دولة في يوم، وللحق دولة في أيام، والعاقبة والنصر في النهاية للمتقين الصابرين كل ذلك ليستقر العدل ويعم النظام ويعلم الناس أن الدنيا إن سلك طريق النجاح والفوز.. فعل الله ما فعل مع المؤمنين لحكم يعلمها وليتحقق إيمان المؤمنين ويظهر واضحا، ولذا
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد موقعة أحد: «لا يذهب معنا في القتال (غزوة حمراء الأسد) إلا من قاتل»
فذهب المؤمنون وهم في أشد التعب والنصب.
لِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا هذه العبارة وأمثالها تفيد تحقيق الإيمان وحصوله في الخارج حتى يحصل علم الله به، فإذا علم الله إيمان فلان كان لا بد أن يكون إيمانه