للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونفى العلم من الله دليل على عدم وقوع الجهاد والصبر منكم فهو أبلغ من نفى الجهاد والصبر، إذ هو كالدعوى ودليلها، شبيه بهذا قوله تعالى: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا.

روى عن الحسن أنه قال: بلغني أن رجالا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كانوا يقولون: لئن لقينا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم لنفعلن ولنفعلن فابتلوا بذلك، فلا والله ما كلهم صادق، فأنزل الله: وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ.

نعم لقد كان كثير منكم يتمنى لو يستشهد في سبيل الله تمنيا من نفسه استحق أن يعبر عنه المولى بهذا التأكيد: وَلَقَدْ كُنْتُمْ حتى إذا جد الجد وقامت الحرب وشاهدتم بأعينكم مشاهدة كاملة وأنتم تنظرون نظرة فاحصة ليست عاجلة، توانيتم وانحزتم إلى الجبل وأصعدتم فيه لا تلوون على أحد والرسول يدعوكم فلا يجيبه أحد.

وهذا عتاب وأى عتاب؟ نعم كان مع النبي من بايعه على الموت ودافع عنه دفاعا مجيدا حتى قتل البعض ونجا البعض كما تقدم في سرد حوادث الغزوة، ومع هذا كان الخطاب عاما ليكون الإرشاد عاما فيتهم المؤمنون الصادقون أنفسهم ليزدادوا إيمانا وليرعوى المقصرون فلا يعودوا لمثلها أبدا.

في هذه الغزوة- كما قلنا سابقا- أشيع قتل النبي صلّى الله عليه وسلّم وكانت الإشاعة سببا في شيوع قالة السوء، حتى قال بعض المنافقين: لو كان نبيا ما قتل!! من لنا برسول إلى عبد الله بن أبىّ ليأخذ لنا الأمان عند أبى سفيان؟ وهكذا مما جعل أنس بن النضر يبرأ إلى الله من مثل هذا الكلام ويقاتل حتى يقتل دفاعا عن الدين.

وكانت هذه الإشاعة سببا في انفضاض بعض الناس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم فعاتبهم الله بقوله. وما محمد إلا رسول كمن سبقه من الرسل فهم قد خلوا وانتهت حياتهم بموت كموسى وعيسى، أو قتل كزكريا ويحيى، ومع هذا ظلت ديانتهم كما هي وأتباعهم متمسكون بها، فالمعقول أن تظلوا كما كنتم ولو مات أو قتل فإن الرسول بشر كسائر الأنبياء له في الدنيا مهمة تنتهي بانتهاء أجله، ومن كان يعبد الله فإن الله باق، ومن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات.

أفتنقلبون على أعقابكم فترتدون عن دينكم أو يطير صوابكم لو مات أو قتل مع أنه

<<  <  ج: ص:  >  >>