رجل، فبهذا عرفوا وعرف حقيقتهم في الإيمان ولا تنس من ترك مكانه من الرماة وخالف الرسول صلّى الله عليه وسلّم ولولا غزوة أحد ما ظهر هذا كله.
إن هؤلاء الذين نافقوا قيل لهم: تعالوا قاتلوا في سبيل الله وجاهدوا للدفاع عن الدين والحق والعدل ابتغاء مرضاة الله لا ابتغاء مكسب أو عرض دنيوى، أو: تعالوا قاتلوا على أنه دفاع عن النفس والأهل والوطن فإن هزيمة المسلمين هزيمة لسكان المدينة وضياع لكرامتها، فما كان من هؤلاء المنافقين إلا أنهم زاغوا وقعدوا وتكاسلوا قائلين: لو نعلم أنكم تلقون قتالا في غزوتكم هذه لاتبعناكم وسرنا معكم ولكننا نعلم أنكم لا تقاتلون.
وقيل في معنى كلامهم: لو نعلم أنكم ذاهبون لقتال لذهبنا معكم ولكنكم ذاهبون لهلاك محقق فنحن لا نذهب معكم هؤلاء الناس يوم أن قالوا هذه المقالة وتخلفوا عن جيش المسلمين هم يومئذ للكفر أقرب منهم للإيمان، فقد ظهرت حقيقتهم، فبعد أن كانوا مستورين يطلق عليهم لفظ الإيمان أصبحوا لا ينطبق عليهم الوصف وصاروا أقرب إلى الكفر فإن من يقعد عن الجهاد في سبيل الله والدفاع عن الأوطان لا يصح أن ينطبق عليه وصف المؤمنين: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [سورة الحجرات آية ١٥] .
هؤلاء يقولون: نحن مؤمنون- بأفواههم فقط- وهذا ديدن المنافقين يقولون ما ليس في قلوبهم، وهل يخلو نفاق من كذب وبهتان؟ والله أعلم بما يكتمون من الكفر والعداوة للمسلمين وتمنى هزيمتهم وزوالهم.
هذه مقالتهم عن القتال لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ ولهم مقالة أخرى بعد الموقعة أشد خطرا وضررا.
إنهم قالوا لأجل إخوانهم ومن على شاكلتهم في الجنس والدين والجوار وقعدوا عن القتال وتخلفوا عن شرف الجهاد، قالوا في شأن إخوانهم: لو أطاعونا ولم يسيروا مع المسلمين ما قتلوا كأنهم حصروا أسباب الموت والهلاك في ذهابهم إلى ساحة القتال! تبّا لهؤلاء الجبناء الرعاديد!! ألم يعلموا أن كثيرا ممن يذهب إلى القتال ينجو ومن يتخلف يموت وهل سبب الموت القتال فقط؟!