وذلك لأنى أخاف الله رب العالمين، الذي تعهدنا بالعناية والرعاية، وخلقنا على أتم خلق وأكمله، فمن يتعدى على هذا الخلق السوى فقد استحق العقاب الشديد!! يا أخى: إنى لا أريد مقابلة الجريمة بالجريمة أصلا، فإنك إن فعلتها تبوء بإثم قتلى وإثمك الخاص بك الذي كان من شأنه عدم قبول قربانك، فارجع عما أنت مقدم عليه! وكيف يريد المؤمن أن يأثم أخوه. والجواب أنه أراد ذلك حينما بسط إليه يده بالقتل فعلا وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها «١» .
إنك يا أخى إن فعلت هذا الجرم فستكون من أصحاب النار الملازمين لها، وذلك جزاء الظالمين!!! ترى أنه نفره من القتل بثلاث: الخوف من الله، أن يبوء بإثمه وإثم نفسه، كونه من أصحاب النار ... ومن الظالمين.
والقاتل مهما كانت نفسه ملوثة بحب الانتقام والقتل يرى في الإقدام على هذا العمل جرما وفظاعة فيتردد، ولا يزال كذلك حتى تشجعه نفسه الأمارة بالسوء فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ وهدم ما بناه الله وأتقنه فأصبح من الخاسرين، وأى خسارة أكبر من هذه الخسارة في الدنيا والآخرة؟!
روى أنه لما قتله، ولم يعرف كيف يوارى جثته، وتحير في ذلك، فبعث الله غرابا يبحث في الأرض منقبا في غذائه، فحفر حفرة، فرآه قابيل ففطن إلى مثل عمله، ففعل لأخيه مثلها وواراه فيها، وقال: يا ويلتى احضرى فقد حان وقتك، أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب؟
والندم الذي حصل لم يكن على القتل بل على عجزه عن مواراة أخيه.
بسبب هذا الجرم التشنيع والفعلة القبيحة، التي فعلها أبناء آدم كتبنا على بنى إسرائيل وإنما خصهم القرآن بالذكر، وإن كان القتل محرما قبلهم في الأمم السابقة، لأن التوراة أول كتاب حرم فيه القتل كتابة بسبب طغيانهم وسفكهم الدماء وقتلهم الأنبياء بسبب الحسد الكامن في نفوسهم ...