واذكر يا محمد لهم وقت أن أخذنا عليهم في التوراة العهود المؤكدة بألا يقتل بعضهم بعضا، ولا يسفك دمه بغير حق شرعي، ولا يخرج بعضهم بعضا من دياره ووطنه.
وفي تعبير القرآن الكريم بقوله: لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ (الآية) إشارة إلى أن دم كل فرد من أفراد الأمة كأنه دم الآخر بعينه، حتى إذا سفكه كان كأنه قتل نفسا أو انتحر بيده مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ (الآية:
٣٢ من سورة المائدة) . ثم أقررتم أيها اليهود المعاصرون بالميثاق الذي أخذ على آبائكم واعترفتم به واعتقدتموه بقلوبكم ولم تنكروه بلسانكم فالحجة قائمة عليكم.
ثم بعد أن سجل الله عليهم اعترافهم بالميثاق واعتقادهم له استبعد منهم أن يأتوا بما يخالفه بأن يقتل بعضهم بعضا، ويخرج بعضهم بعضا من ديارهم مع أنهم إخوانهم في الدين واللغة والنسب متعاونين مع الغير بالذنب والعدوان ومعصية الرسول، وأن أخذوا أسرى حرب تنقذونهم بالمال، والإخراج والقتل محرم عليكم في التوراة فكيف تفعلونه؟ وبأى حق تؤمنون ببعض الكتاب وتمتثلون لآية مفاداة الأسرى وتكفرون بالآيات الناطقة بتحريم القتل والإخراج والتعاون بالإثم والاعتداء فتفعلون ذلك.
وإذا حصل منكم أنكم آمنتم ببعض التوراة وكفرتم بالبعض الآخر فليس لكم جزاء على هذا الفعل الشنيع إلا ذل وهوان في الدنيا وعذاب أليم دائم في الآخرة، وما الله بغافل عن أعمالكم أبدا، بل سيجازيكم عليها حتما.
أولئك اليهود الذين يفعلون هذا آثروا الحياة الدنيا كالرياسة الكاذبة والمال على الآخرة وما فيها من نعيم مقيم للمؤمنين، فهم باعوا آخرتهم بدنياهم وبئس ما باعوا وهم لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون في الدنيا والآخرة.
وهكذا كل أمة لها دين تؤدى بعض أحكامه كالصلاة والصوم والحج ولا تؤدى بعض أحكامه الأخرى كما إذا شاع فيها الربا والزنى والرشوة والسرقة ولم تتعاون على الخير ولم تؤد الزكاة، وبخل أغنياؤها على فقرائها ... إلخ!! وأخوف ما أخاف أن يطبق علينا هذا الوعيد.
وقد كان يهود المدينة شعبين: بنو قريظة والنضير، فحالفت قريظة الأوس وحالفت النضير الخزرج فكان كل فريق يقاتل الآخر مع حلفائه، ويخرب ديارهم ويخرجهم منها، فإذا أسروا فدوهم، وإذا سئلوا في ذلك يقولون أمرنا بالفداء في التوراة (آمنوا