قل يا أهل الكتاب ما تنقمون منا، وما تعيبون علينا إلا إيماننا بالله ورسله إيمانا صادقا خالصا، مع وصف الله- سبحانه وتعالى- بكل كمال وتنزيهه عن كل نقص، وكذا الرسل جميعا- عليهم السلام- لا نفرق بين أحد منهم مع وصفهم بما يليق بهم شرعا، وكذا ما أنزل عليهم من الكتب.
وإن أكثركم لفاسقون وخارجون عن حدود العقل والرأى والدين الصحيح، يا عجبا كل العجب! أيكون مناط المدح عنوان الذم؟ ولله در الشاعر العربي حيث يقول:
ما نقموا من بنى أمية إلا ... أنهم يحلمون إن غضبوا
قل يا محمد لهم: من أنبئكم أيها المستهزئون بديننا القائلون: لا نعلم شرا من دينكم- بما هو شر من ذلك الدين الذين تنقمون به علينا؟ دين من لعنه الله وغضب عليه بسبب سوء فعله، وهذا تبكيت لهم شديد بذكر جرائم آبائهم، وجزائهم عليها إذ اللعن والغضب نهاية العقاب والمؤاخذة من الله لهم.
ودين من جعل منهم القردة والخنازير وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ [سورة البقرة آية ٦٥] .
أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل، وكان التعبير ب (شر) مع أن هذا الدين خير محض مجاراة لهم في اعتقادهم ومشاكلة للفظهم.
وهاك سيئة أخرى تقتضي وحدها عدم الموالاة.
وإذا جاءوكم وحضروا مجالسكم وخاصة مجلس الرسول قالوا: آمنا باللسان فقط، والحال أنهم دخلوا متلبسين بالكفر مؤتزرين به لا يفارقهم، وهم قد خرجوا به والله أعلم بما يكتمون- حين الدخول- من النفاق وعند الخروج من العزم والكيد والمكر، وما ملئت به قلوبهم من الحسد والبغضاء لكم. فاحذروهم ولا توالوهم. وترى كثيرا منهم يسارعون في ارتكاب الإثم والعدوان ويقبلون عليهما راغبين فيهما بجد ونشاط، ويقبلون على أكل السحت والدنىء من المحرم، تالله لبئس العمل عملهم.
ويا ضلال هؤلاء أما وجدوا من يرشدهم؟ أما وجدوا من ينكر عليهم؟ لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم والكذب والبهتان في أمور الدين، وأكلهم السحت؟