للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللغة لا تساعدهم وكانوا يمثلون قديما بإخراج الحيوان من النطفة أو البيضة، ولكن العلم الحديث أثبت أن في النطفة حياة وكذا في البيضة، وقيل: إن الرأى الصحيح أن الحيوان يخرج بمعنى يتكون من الغذاء، وهو ميت ويخرج من الحيوان لبنه وفضلاته وهي ميتة وكون خلايا الجسم الحي تتكون من غذاء كاللبن والنبات مع عدم الحياة في الغذاء دليل على كمال القدرة.

والله مخرج الميت من الحي فيخرج الحب والنوى من النبات الحي، ويخرج اللبن والفضلات من الحيوان الحي، سبحانه وتعالى من قادر حكيم عليم، فكيف تؤفكون وتصرفون عن طريق الهدى والفلاح؟ والله فالق الإصباح، قد فلق ظلمة الليل وشقها بعمود الصبح عند طلوع الفجر، وجعل الليل سكنا للحيوان الحي، يستريح فيه من التعب، ويسكن جسمه من الألم وأعصابه من التفكير والنصب، والليل وقت سكون وراحة، والنهار وقت عمل ونشاط، وجعل الشمس والقمر يجريان بحساب وتقدير، وترتيب ونظام محكم لا يختل أبدا لتعلموا بهما عدد السنين والحساب.

فانظر- وفقك الله للخير- للآيات الكونية الثلاث: شق الإصباح، وسكون الليل، ونظام الشمس والقمر وحسبانهما إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ [القمر ٤٩] .

وهو الذي جعل لكم النجوم والمراد بها ما عدا الشمس والقمر مما لا يعلمه إلا هو جعلها علامات للسارى، بها يهتدى للوقت من الليل أو من السنة، ويعرف المسالك والطرق والجهات، جعلها لتهتدوا بها في ظلمات الليل والماء، أو المراد ظلمة الخطأ والضلال.

ولما في عالم السماء من صنع وإحكام، وتقدير ونظام قد فصل الله الآيات القرآنية والآيات التكوينية وهما يدلان على حكم الله وتمام علمه، ولا يستخرج كل هذا ولا يهتدى به إلا أهل العلم والنظر فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ «١» ولذا اختتمت الآية بقوله تعالى: قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ.

هذه آيات الله الكونية في الأرض والسماء، وها هي ذي آياته في أنفسنا وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً «٢»


(١) سورة الحشر آية ٢.
(٢) سورة النساء آية ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>