وحدكم، هذه الناقة من الله، فذروها تأكل في أرض الله، ولا تحولوا بينها وبين ما تطلب، ولا تتعرضوا لها بسوء، وكانت هذه الناقة تشرب جميع مياههم، ثم تحيلها لبنا لهم: هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ [سورة الشعراء آية ١٥٥] .
ثم ذكرهم بنعم الله التي توجب الشكر والعبادة لله وحده، وبخاصة بعد ما قامت الحجج على صدق رسالته فقال: واذكروا نعم الله عليكم إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم عاد، في الحضارة والعمران، وأورثكم أرضهم، وأنزلكم منازلهم تجعلون بدل سهولها قصورا زاهية. ودورا عالية، بما ألهمكم من صناعة اللّبن والآجر (الطوب الأخضر والأحمر) وتنحتون من الجبال بيوتا، فقد علمكم صناعة النحت وآتاكم القوة والصبر.
روى أنهم كانوا يسكنون الجبال في الشتاء، والسهول في باقى الفصول، فاذكروا هذه النعم الجليلة، واشكروا الله واعبدوه حق العبادة، ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون.
قال الملأ الذين استكبروا من قومه، وكفروا بالله ورسوله، قالوا للمستضعفين الذين آمنوا منهم: أتعلمون أن صالحا مرسل من عند ربه؟ وهكذا جرت سنة الله مع أنبيائه، يتبعهم الضعفاء، ويكفر بهم الرؤساء.
قال المستضعفون المؤمنون: نعلم أنه مرسل من عند ربنا علما لا يحتاج إلى بيان، وإنا بما أرسل به مؤمنون ومصدقون.
قال الذين استكبروا: إنا بما آمنتم به كافرون، ولم يقولوا: إنا بما أرسل به صالح كافرون، خوفا من أن يقروا له بالرسالة ولو ظاهرا.
أما أفعالهم الدالة على الكفر: فقد عقروا الناقة: نعم أجمعوا أمرهم ونادوا صاحبهم، فتعاطى هذا الفعل الشنيع، فعقر الناقة، وصاحبهم هذا هو قدار بن سالف، أشقى القبيلة، وإنما نسب العقر إليهم جميعا لأنهم بين راض عن هذا الفعل، وبين آمر به.
فعقروا الناقة وتمردوا واستكبروا عن امتثال أمر ربهم الذي أمرهم به على لسان نبيه صالح، من قوله: فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ [الأعراف ٧٣] .
وقالوا يا صالح: ائتنا بما تعدنا به من العذاب، إن كنت رسولا من عند الله،