للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استقر مكانه وثبت عند التجلي الأعظم عليه فسوف تراني إذ هو مشارك لك في الوجود، وإذا كان الجبل في قوته وثباته لم يقو على الثبات فكيف بك يا موسى؟

فلما تجلى ربه للجبل، وانكشفت بعض آياته له جعله دكا مدكوكا، وخر موسى من هول ما رأى مصعوقا، فلما أفاق من غفوته، وصحا من رقدته قال: سبحانك يا رب وتنزيها لك وتقديسا، إنى تبت إليك من سؤالى، وقيل: تبت إليك من الجرأة والإقدام على السؤال بلا إذن، وأنا أول المؤمنين بعظمتك وجلالك.

ثم أراد المولى أن يطيب خاطره ويبين له مكانته فقال:

يا موسى إنى اصطفيتك على الناس الموجودين معك برسالتي ونبوتي، وخصصتك بكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين القانعين، ولا تطلب ما ليس لك.

وكتبنا له في الألواح من كل شيء مما يحتاجون له من أمور دينهم، موعظة مؤثرة وهداية نافعة، وتفصيلا لأحكام الشريعة.

وهل هذه الألواح هي كل ما أوتيه أو بعضه؟ وهل كان عددها عشرا أو أقل؟ الله أعلم بذلك.

فخذها بقوة، واقبلها بجد ونشاط، وأمر قومك يأخذوا بأحسنها فلكل درجات ومراتب، فمثلا هناك عفو وقصاص وصبر وانتصار ... إلخ فليأخذوا بالعفو والصبر وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ. سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ كعاد وثمود، أو قوم فرعون، وقيل: سترون عاقبة من يخرج من طاعتي!!! ورؤيا الله- سبحانه وتعالى- كانت ولا تزال مثار خلاف وجدل لتعارض النصوص فيها. مثلا لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ، لَنْ تَرانِي مع قوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ. إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ والأحاديث الصحيحة الكثيرة.

ولذا قال بعضهم: إن الرؤية محال، وبعضهم قال: إنها جائزة، وينبنى على هذا طلب موسى للرؤية. هل كان للرد على من طلب من قومه بالدليل لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً وعلى هذا فطلبه خارج، ولذا تاب وأناب، وقيل: إنها جائزة، والتوبة من التعجل بالسؤال، وعلى العموم فهذا بحث مبسوط في كتب التوحيد وكتب التفسير المطولة.

<<  <  ج: ص:  >  >>