الفرد في الجماعة، ولقد صدق الله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ «١» وذلك لتكونوا شهداء على الناس في الدنيا، ولتكونوا شهداء على الأمم يوم القيامة، ويكون الرسول عليكم شهيدا.
روى أن الأمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء- عليهم السلام- لهم، فيطالبهم الله تعالى بالبينة- وهو أعلم بكل شيء- إقامة للحجة على الجاحدين المنكرين، فتقول الأنبياء: أمة محمد تشهد بذلك، فيؤتى بأمة محمد صلّى الله عليه وسلّم فيشهدون للأنبياء فتقول الأمم لهم: من أين عرفتم ذلك؟
فيقولون: علمنا ذلك بإخبار الله- تعالى- في كتابه الناطق، على لسان رسوله الصادق، فيؤتى عند ذلك بالنبي محمد صلّى الله عليه وسلّم ويسأل عن حال أمته فيزكيهم ويشهد لهم وذلك قوله تعالى: وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً.
وما جعلنا القبلة التي تحبها والجهة التي كنت عليها بمكة (يعنى: وما رددناك إليها) إلا امتحانا وابتلاء ليظهر ما علمناه، ويتبين في الواقع الثابت على الإسلام الصادق فيه ممن هو على حرف ينكص على عقبيه فيرتد، حتى يجازى كل على عمله.
وإنما شرعنا لك التوجه إلى بيت المقدس ثم إلى الكعبة ليظهر حال المؤمنين والمنافقين.
وإن كانت هذه الفعلة لشديدة على نفوس الناس إلا على الذين هداهم الله ووفقهم فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ [سورة التوبة الآيتان ١٢٤ و ١٢٥] .
وروى أنه لما غيرت القبلة أخذ المرجفون يقولون: ما حال المسلمين الذين ماتوا قبل التحويل؟ وكيف نحكم على صلاتهم وإيمانهم؟ ولقد سأل بعض المسلمين عن أقاربهم الذين ماتوا ليطمئنوا فأجابهم: وما كان الله ليضيع إيمانكم وثباتكم على الإسلام، وبالتالى لا يضيع صلاتكم وعبادتكم. إن الله بالناس لرءوف رحيم.