في الانتصار على كفار قريش، وهذا يوجب الشكر علينا والامتثال لأمر الله في تقسيم الغنائم وغيره.
واذكروا يوم التقى الجمعان إذ أنتم بالعدوة القريبة من المدينة اخترتموها مكانا لكم مع أنها كانت رملية تسوخ فيها الأقدام، ولا يسهل السير عليها، والكفار في العدوة البعيدة، وكانت مكانا صالحا للوقوف قريبا من الماء، ومع ذلك فكان العير الذي يحمل التجارة والركب الذي يرأسه أبو سفيان في أربعين من قريش أسفل منكم، ووراء ظهور المشركين حاميا لها، وهم يدافعون عنه دفاع المستميت، وهذا بلا شك مما يقوى الروح المعنوية فيهم واعلموا أنكم لو تواعدتم على القتال لاختلفتم في الميعاد خوفا من بطشهم وقوة عددهم.
كل ذلك ليتحقق للمسلمين أن النصر من عند الله وحده، وأن الله هو الذي جعلهم يتغلبون على عدوهم مع قلة عددهم وعددهم فيزدادوا إيمانا وشكرا وامتثالا لأمر الله.
ولكن جمع الله بينكم على هذه الحال من غير ميعاد ليقضى الله أمرا كان مقدورا فعله، محتما وقوعه لأنه نصر لأوليائه، وقهر لأعدائه ليهلك من هلك بعد ظهور تلك البينات الواضحات عن حجة وبينة، فإن المقدمات الظاهرة لو تركت وحدها لأنتجت هزيمة المسلمين هزيمة ساحقة، أما وقد ظهر أن الله على كل شيء قدير، وأنه ولى الذين آمنوا، وهو يتولى الصالحين، وقد نصر المسلمين على عدوهم نصرا مؤزرا، وتحقق قوله: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ «١» فمن يهلك بعد ذلك يهلك عن بينة وحجة، ومن يحيا بعد ذلك يحيا عن بينة وحجة، فليس الأمر يسير كالعادة والمألوف، بل هذه معجزات قواطع دمغت الكفر، ومحقت الشرك، وقيل: المراد بالحياة والهلاك:
الإسلام والشرك، وإن الله لسميع بكل دعاء والتجاء إليه، عليم بكل قصد وعمل.
واذكر إذ يريك الله الكفار في منامك قليلا، بمعنى ضعفاء، فتخبر أصحابك بذلك فتثبت قلوبهم، ولو أراكهم على حسب الواقع لفشلتم واختلفتم وتنازعتم في أمر القتال، ولكن الله سلّم من الفشل والنزاع حيث أخرجكم للعير ثم وعدكم الله إحدى الطائفتين، وقد فر العير فلم يبق إلا القتال، وقد منّ عليكم بنعمه حتى انتصرتم، إنه عليم بذات الصدور وهو أعلم بخلقه أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ [سورة الملك آية ١٤] .