العقوبة فلن يتقبل الله منكم في الحالين، ما دمتم تشكون فيما جاءكم به الرسول من أمر الدين والجزاء عليه في الآخرة، إنكم كنتم قوما فاسقين، وهذا تعليل لعدم القبول منهم في الحالين: إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [سورة المائدة آية ٢٧] .
وهذا بيان أوضح لهذا التعليل- وما منع قبول نفقاتهم منهم شيء من الأشياء إلا كفرهم بالله وبصفاته وكفرهم برسوله وما يجب أن يكون له، وأنهم لا يأتون الصلاة التي هي عماد الدين، إلا وهم كسالى ولا ينفقون نفقة صغيرة أو كبيرة إلا وهم كارهون كراهة دائمة لازمة لهم فإن أنفقوا من غير أمر ولا إلزام من الرسول، بل طوع أنفسهم فهم أيضا كارهون كراهة قلبية لإنفاقهم. ومع الإلزام من باب أولى كارهون،
ولقد صدق الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«إنما الأعمال بالنيات»
. وإذا كان هذا مآل أموالهم في الآخرة لا يقبل منهم صرف ولا عدل فهم لا ينتفعون بها فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم ولا تسر من حالهم فأموالهم في الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها حيث يجمعونها بالكدح والنصب، وما يلزم ذلك من هم وألم، ثم هم ينفقونها كارهين تذهب أنفسهم حسرات عليها كأنهم يلقونها في البحر، بل أشد لأنها ستنفق في تقوية المسلمين وفي الآخرة لهم عذاب شديد، فهم يموتون على الكفر الذي يحبط العمل الصالح، وستخرج أرواحهم بشدة وعنف وصعوبة وألم..
ألست معى في أنهم خسروا الدنيا والآخرة؟!! المعنى: هكذا خلق المنافق يدفعه الخوف، ويملى عليه الفرق فيحلف كاذبا إنه منك في الدين ومعك في الملة والطريق وما هو منك في شيء أبدا: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا، وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ [البقرة ١٤] .
وما دفعهم إلى هذا إلا الخوف الذي ملك قلوبهم، والفرق الذي شاع في نفوسهم حتى إنهم لشدة كراهيتهم للقتال معكم وشدة رعبهم من ظهور نفاقهم لكم يتمنون الفرار منكم والمعيشة بعيدة عنكم بحيث لو يجدون ملجأ يلجئون إليه، أو مغارة يغورون فيها أو مدخلا يندسون فيه، لولوا إليه وهم مسرعون لا يلوون على شيء، سرعة الفرس الجموح التي لا يردها لجام ولا قائد.