مجرد تولية الوجه قبلة مخصوصة ليس هو البر المقصود، وإنما البر شيء آخر ليس في تولية الوجه جهة المشرق والمغرب، إنما هو إيمان بالله ورسوله إيمانا قلبيا صادقا كاملا مقرونا بالعمل، إيمان تطمئن به القلوب وتهدأ به النفوس، إيمان يحول بين النفس ودواعي الشر ومزالق الشيطان، فإذا وقع في المحرم سارع إلى التوبة الصادقة.
فالبر: الإيمان الكامل بالله واليوم الآخر على أنه محل للجزاء والثواب، فيكون هذا أدعى للقرب من الرحمن والبعد عن الشيطان، والإيمان بالملائكة على أنهم خلق من خلق الله سفراء بينه وبين رسله حملة الوحى وسدنة العرش، دأبهم الطاعة، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
والإيمان بالكتاب المنزل سواء كان زبورا أو توراة أو إنجيلا أو قرآنا يؤمن بما فيه كله لا يؤمن بالبعض ويكفر بالبعض كما يفعل أهل الكتاب.
والإيمان بالنبيين جميعا لا فرق بين نبي ونبي.
هذا أساس الاعتقاد الصحيح والإيمان الكامل، ثم لا بد معه من عمل يهذب النفس ويقوى الروح ويربط المجتمع برباط الألفة والمحبة والاتحاد والتعاون، ولقد أشار القرآن الكريم إلى الأمور العملية فيما يأتى:
إيتاء المال المستحق مع حبه له كما قال ابن مسعود:«أن تؤتيه وأنت صحيح شحيح تأمل العيش، وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الروح الحلقوم قلت: لفلان كذا» نعم إيتاء المال مع حبه ذوى قرباه عصبا أو رحما لأنهم أحق من غيرهم ما داموا محتاجين: «ابدأ بنفسك ثم بمن تعول» وآتى اليتامى الذين فقدوا آباءهم ولا عائل لهم إلا الله، وآتى المساكين، والفقراء من باب أولى، وأعطى ابن السبيل الذي انقطع به الطريق حتى كأنه لا أب له ولا أم إلا الطريق، وآتى السائلين الذين يسألون بدون إلحاف مع الحاجة إلى المال: يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ أما من يتخذ السؤال حرفة ويجمع بسببه المال فلا يعطى، بل إن كان صغيرا أو قادرا على العمل ذكرا كان أو أنثى كان على الحكومة أن توجد له عملا، وبدل أن تعطيه قرشا ويظل فقيرا ساعده على إيجاد عمل له.
ومن البر العملي إنفاق المال في الرقاب الأسيرة بالرق أو الأسيرة بالحرب بأن يعين