أسفا عليه نقول يا نفس اصبري ... فتقول: ما أنا عند هذا صابره
درست دروس العلم بعد وفاته ... ومعاهد الإملاء أضحت دائره
أسفي على قاضي القضاة مؤبّد ... زفرات قلبي كلّ وقت ثابره
أسفي على شيخ العلوم ومن غدت ... أفكار كلّ الخلق فيه حائرة
أسفي على من كان بين صحابه ... كالبدر في وسط النّجوم الزّاهره
ولقد نعى قبل المنية نفسه ... إذ كلّ نفس للمنيّة صائره
لا رأى أجل الحياة قد انقضى ... أضحى يشير إلى الصّحاب مبادره
ويقول أبياتا وليست نظمه ... لكن بلفظ منه أضحت فاخره
وزمخشريّ ناظم أبياتها ... هي أربع معدودة متواترة
كلّ الورى من بعده اشتغلوا بها ... فاسمع فأوّلها أقول مذاكرة
قرب الرّحيل إلى ديار الآخرة ... فاجعل إلهي خير عمري آخره
وارحم مبيتي في القبور ووحدتي ... وارحم عظامي حين تبقى ناخره
فأنا المسيكين الّذي أيّامه ... ولّت بأوزار غدت متواتره
فلئن رحمت فأنت أرحم راحم ... فبحار جودك يا إلهي زاخره
ها آخر الأبيات قد أوردتها ... فيما نظمت تبرّكا ومكاثره
وأعود أذكر بعد ذلك حالتي ... وأبثّ أحزانا بقلبي حاضره
وأقول: مات أبو المكارم والنّدى ... ملقي الدّروس وذو العلوم الباهره
ما كان أحسن لفظه وحديثه ... ما كان قطّ يملّه من عاشره
ولو انّه يفدى لكنت له الفدى ... وأودّ لو أنّي سددت مقاصره
لهب بقلبي بعده لا ينطفي ... ودموع عيني لم تزل متقاطره
فاللَّه يسقي قبره ماء الحيا ... أبدا ويورده سحابا ماطره
ثمّ الصّلاة على النّبيّ وصحبه ... وعلى جميع التّابعين أوامره
يا درّة فقدت وكانت فاخره ... في بدء خير حوّلت للآخرة
من كلّ علم حاز أكبره فره ... عزّ الفخار تصل بحارا زاخره
شطن الرّجا كانت لطالب برّه ... من بعد أشجان بفضل ماخره
تعنو الرّؤوس إلى وجوه بديعه ... وإذا عصته أتت إليه ذاخره
وهو المكرّم والكريم بناته ... مع علمه لو أمّ كعبا فاخره
ليلى بعاذرها فشاغل قلبها ... ولمن سواه بذي الدّعاوي شاجره
تجري عليه مودّعا روحي ولن ... تشغل ولو صارت عظاما ناخره