قد كان أوّل شاغل قلبي هوى ... وبهونه فالصّبر عدّى آخره
[الطويل] :
شهاب المعالي بينما هو طالع ... فعاجلنا فيه القضا والقوارع
إلى اللَّه إنّا راجعون وحسبنا ... ونعم الوكيل اللَّه فيما نواقع
فقد أورث الآفاق حزنا وذلّة ... وأظلمت الأكوان ثمّ المطالع
وأطلق دمع العين تجري سحائبا ... وأجرى عيون السّحب فهي هوامع
وصيّر طرفي لا يملّ من البكا ... وأحرق قلبا بالجوانح هالع
وفرّق جمع الشّمل من بعد إلفه ... وألّف درّ الدمع في الخدّ لامع
فوجدي وصبري في الرّثاء بيانيا ... فوجدي موجود وصبري ضائع
فصبرا لما قد كان في سابق القضا ... فليس لمقدور المنيّة دافع
وطلّقت نومي والتّلذّذ والهنا ... وألزمت نفسي أنّني لا أراجع
وصاحب سهدي والتّأسّف والأسى ... فواصلتها لمّا جفتني المضاجع
وإنّي غريب لو أقمت بمنزلي ... وإنّي وحيد لا معين أراجع
فلهفي على شيخ الحديث وعصره ... فمجلسه للعلم والفضل جامع
فلهفي على تلك المجالس بعده ... لفقد أولي التّحقيق قفر بلاقع
فلهفي على جدّي وشيخي وقدوتي ... وشيخ شيوخ العصر إذ لا منازع
فأوقاته مقسومة في عبادة ... وفضل لمحتاج ببرّ يتابع
فقد كان ظنّي أن تكون معاوني ... على كلّ خير مثل ما قيل مانع
فعند إلهي قد جعلت وديعتي ... كريم لديه لا يخيب الودائع
فرحب الفضا قد ضاق من بعد بعده ... عليّ وفيه بحر فكري واسع
فيا موت، زر إنّ الحياة ذميمة ... فمن بعد هذا الحبر إني راجع
إمام الهدى والعلم والحلم والتّقى ... وحافظ هذا الوقت للحقّ خاضع
ففي النّظم حسّان وفي الجود حاتم ... وفي العلم ليث وهو في الثّبت نافع
عفيف السّجايا باسط اليد بالنّدا ... جزيل العطايا ناسك متواضع
بزهد له قد كان يحكي ابن آدم ... له ورع بالصّبر للنّفس قانع
فأيّامه صوم وفي اللّيل هاجد ... مقيل خشوع ساجد الرّأس راكع
فمنهاجه حاو لتنبيه غافل ... وبهجته زانت كما الرّوض نافع
وفتح لباريه حواه فوائدا ... يزيل التباسا فهو للشّكل رافع