للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا، واللَّه لا يزال كعبك أعلى من كعب أثوب في هذا الحديث أبدا، ثم لما سنح الثعلب سمّته اسما غير الثّعلب، فقالت فيه ما قالت في الأرنب، فبينما هما ترتكان الجمل إذ برك وأخذته رعدة، فقالت الحديباء: أدركتك والأمانة أخذة أثوب. قال: فقلت، واضطررت إليها: ويحك! فما أصنع؟ قالت: قلّبي ثيابك ظهورها لبطونها، وتدحرجي ظهرك لبطنك، وقلبي أحلاس جملك، ثم جعلت سبيّجها فقلبتها، ثم تدحرجت ظهرها لبطنها، ففعلت ما أمرتني به، فانتقض الجمل، فقام فناخ وبال، فقالت: أعيدي عليه أذانك، ففعلت ثم خبا يرتد، فإذا أثوب يسعى على آثارنا بالسيف صلتا، فوألنا إلى حواء «١» ضخم فداراه حيث ألقي الجمل إلى رواق البيت الأوسط، وكان جملا ذلولا، ثم اقتحم داخله، فأدركني أثوب بالسّيف، فأصابت ظبته طائفة من فروتيه، فقال: ألقي إليّ ابنة أخي يادفار «٢» ، فرمت بها إليه فجعلها على منكبه، فذهب بها، فكنت أعلم به من أهل البيت.

فمضيت إلى أخت لي ناكح «٣» في بني شيبان أبتغي الصّحابة إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم، فبينا أنا عندها ذات ليلة من الليالي تحسب أني نائمة إذ جاء زوجها من السامر، فقال: وأبيك لقد وجدت لقيلة صاحب صدق. فقالت أختي: من هو؟ فقال: هو حريث بن حسان الشّيبانيّ وافد بكر بن وائل. فقالت أختي: الويل لي، لا تخبر بهذا أختي، فتذهب مع أخي بكر بن وائل بين سمع الأرض وبصرها ليس معها من قومها رجل. قال: لا ذكرته لها. قالت: وأنا غير ذاكرة لهذا.

فغدوت وشددت على جمل وسمعت قائلا يقول، فنشدت عنه، فوجدته غير بعيد، وسألته الصحبة، فقال: نعم وكرامة، وركابه مناخة عنده.

فخرجنا معه صاحب صدق حتى قدمنا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم وهو يصلّي بالنّاس صلاة الغداة قد أقيمت حين شقّ الفجر والنّجوم شابكة في السّماء، والرجل لا تكاد تعارف مع ظلمة الليل، فصففت مع الرجال وأنا امرأة حديثة عهد بالجاهليّة، فقال لي الرّجل الّذي يليني من الصّف: امرأة أنت أم رجل؟ فقلت: لا، بل امرأة، فقال: إنك كدت تفتنيني فصلّي وراءك في النّساء، فإذا صفّ من النساء قد حدث عند الحجرات لم أكن رأيته حيث دخلت، فكنت معهن.


(١) الحواء: بيوت مجتمعة من النّاس على ماء، ووألنا أي لجأنا. اللسان ٢/ ١٠٦٣.
(٢) أي يا منتنة. اللسان ٢/ ١٣٩٣.
(٣) أي ذات نكاح يعني متزوّجة. اللسان ٦/ ٤٥٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>