فأسلمته أمُّه عند نشابي، فصار أُجرته في الشهر خمسة دراهم، ثم ذهب يومًا إلى ذلك المُقْرئ، فقال له: لمَ لا تلازم، فإنك يجيء منك شيء؟ فاعتذر بالصَّنعة، فأخرج له خمسة دنانير وقال: أنا أعطيك كل شهر هكذا، فذهب إلى أمّه وكلَّمها، فخَتَمَ عليه في مدة يسيرة.
وصَحِبَ الشيخَ عبدَ الله اليُونيني، فطلب له مجوِّدًا، فقال له: إن كتب محمّد مثلَك أعطيك مني ثلاث مئة درهم، فبَرَع بالكتابة، وشارَط المجوِّد رجلًا على نسخ كتاب في القصص بثلاث مئة، فكتب من أوله ورقة، وأعطاه محمّدًا فنسخه بخطه، ثم قال المجوِّد: قد برئت ذمةُ الشيخ عبد الله من الثلاث مئة.
ثم حُبِّبَ إليه الحديث، فأقبل على درسه حتى حفظ "الجمع بين الصَّحيحين" للحُمَيدي، وكان يتعفَّف، وربما يتجوَّع.
وقد سمع من التاج الكِنْدي، فكتب الطّبقة، فنظر إليه الكِنْدي فقال: هذا خطُّك، وهذا حظُّك.
قلت: ولبس الخِرقةَ من الشيخ عبد الله البَطَائحي صاحب الشيخ عبد القادر.
وكان الشيخ اليُونيني الكبير يربِّيه يُشفق عليه، وفقَّهه مدة على الشيخ موفق الدين، واشتغل على الحافظ عبد الغني في الحديث، وسمع من أبي طاهر الخُشُوعي وأبي تمّام القَلَانسي وحَنْبَل المكبِّر، وطائفة كثيرة، وقرأ على المشايخ الواردين ببعلبك كالقَزْويني وابن واصل والبهاء عبد الرَّحمن والشيخ الموفَّق وابن أبي الضوء، وروى الكثير، فحدَّث بـ "مسند الإمام أحمد"، وكرَّر على أكثره، وكان من أحفظ أهل زمامه وأذكاهم، يحفظ