نابَ في القضاء لابن الصائغ، ثم ولَّاه الملك الظاهرُ قضاءَ حمص، وكان يثقُ بدينه ويعرفه فزاره في بيته بحمص، وقال: أطعِمْنا شيئًا، فأحضر مأكولًا وأكل أولًا، فتبسم منه السلطان، ثم نفَّذه على قضاء حلب، فسار إليها على حمار المُكَاريّ وما اتَّخَذ بغلة، وكان حميدَ السيرة، متين الدِّيانة.
توفي في تبوك بعد المحرَّم سنة ست وسبعين وست مئة، رحمه الله تعالى، وكان يدري المذاهبَ جيدًا.
١٨٦ - النَّوَاويّ *
الشيخ الإمام القُدْوة الحافظ الزاهد العابد الفقيه المجتهد الرَّبّاني، شيخ الإسلام أحسبه، الإمام محيي الدين أبو زكريا، يحيى بن شرف بن مِرَي بن حسن بن حسين بن محمد بن حِزَام، الحِزَامِي الحَوْرانِي النَّوَاوِيِّ، الشَّافِعِيُّ.
صاحب التصانيف التي سارت بها الرُّكْبان، واشتَهَرت بأقاصي البلدان.
ولد في المحرم سنة إحدى وثلاثين وست مئة بنَوَى، وكان أبوه دُكَّانيًّا بها، فنشأ الشيخ في ستر وخير، وحَفِظَ القرآن، وبقي يتعيّش في الدُّكان لأبيه، ثم نقله أبوه في سنة تسع وأربعين إلى دمشق ليشتغل بها، فنزل بالرَّوَاحيّة يتقوَّت بالجِرَاية، ويدرس في "التنبيه" فحفظه في أربعة أشهر ونصف، وقرأ ربع "المهذَّب" في تمام السَّنة على الشيخ الكمال إسحاق بن أحمد.
ثم حجَّ مع والده، وقد لاحَتْ عليه أَمارات النَّجابة والفَهْم، فاتفق أنه أقام بالمدينة النبوية شهرًا ونصفًا، وتعلَّل في أكثر الطريق، ورجع وأكبَّ على طلب العلم ليلًا ونهارًا اشتغالًا، فضُرِبَ به المثل، وهجر النوم إلّا عن
(*) تاريخ الإسلام: ١٥/ ٣٢٤، الوافي بالوفيات: ٤/ ٢٦٤.