عديمَ اللعب، بل هو جِدٌّ صِرْف، يقول الحقَّ وإن كان عليه، لا تأخذه في الله لومةُ لائم، ويواجه الأمراء والظَّلَمة بالإنكار، ويكتب إليهم ويخوِّفهم بالله، كتب مرة: من عبد الله يحيى النَّووي، سلام الله ورحمته وبركاته على المولى المحسن ملك الأمراء بدر الدين، أدام الله له الخيرات، وتولّاه بالحسنات، وبلَّغه من خيرات الدنيا والآخرة كل آماله، وبارك له في جميع أحواله، آمين، ويُنهي إلى العلوم الشريفة أنَّ أهل الشام في ضِيق وضعف حال بسبب قلّة الأمطار. وذكر فصلًا طويلًا، وفي طيِّ ذلك ورقة إلى الملك الظاهر، فردَّ جوابَها ردًا عنيفًا مؤلمًا، فتنكَّدت خواطرُ الجماعة.
وله غير رسالة إلى الملك الظاهر في النهي عن المنكرات.
قال ابن فَرْح - وكان ممن يَشرَح على الشيخ -: صار الشيخ محيي الدين إلى ثلاث رُتَب لو نهض رجلٌ فيها لشُدَّت إليه الرحال: العلم، والزهد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وكان الشيخ ﵁ يقتنع باليسير، ووليَ مشيخةَ دار الحديث الأشرفية مع صغر سِنّه ونزول روايته في حياة مشايخه بعد الإمام أبي شامة، فما أخذ جامكيةً فيما بلغني، بل كان يجيئه من والده شيء يَقتات منه، واشترى بالجامكية كتبًا وَقَفَها.
سافر وزار بيت المقدس، فرَدَّ إلى نَوَى مريضًا، وانتقل به إلى الله في الرابع والعشرين من رجب سنة ست وسبعين وست مئة، وقبره يُزار بنَوَى.
قال قطب الدين موسى شيخنا (١): كان أوحدَ زمانه في العلم والزهد والورع والعبادة والتقلُّل وخشونة العيش، واقَفَ الملكَ الظاهر بدار العدل