ونشأ بمكة، فسمع بها "جامع أبي عيسى" من علي بن البنّاء، وسمع من الشيخ شهاب الدين السُّهْرَوَرْدي كتاب "العوارف"، وسمع من أبي علي بن الزَّبيدي، وتفقَّه وبرع ودرَّس واشتغل.
ثم ارتحل في الحديث في سنة تسع وأربعين، فسمع من أبي القاسم بن قُمَيْرة، وإبراهيم بن أبي بَكْرة الرُّعَيني، ومحمد ابن الحُصري، وفضل الله بن الحُبُلي، وطبقتهم.
وسمع بالمَوصِل ودمشق ومصر، واستجاز حينئذٍ لأولاده السبعة، وكان مبرِّزًا في العلم والعمل، طُلِب من مكة وأُعطي مشيخة الكاملية، ومحاسنه غزيرة، وله تواليف مفيدة، ونظمٌ وفضائل.
حدَّث عنه: الدِّمْياطي، والحارثي، وابنه شمس الدِّين الحارثي، وقطب الدين المَنْبِجي، وفتح الدين اليَعمَري، وجمال الدين المِزِّي، وعَلَم الدين البِرْزالي، وعدَّة في الأحياء.
مات في المحرَّم سنة ستّ وثمانين وست مئة، وكانت جنازته مشهودة.
أخبرنا أبو الصَّفا، أخبرنا أبو حيَّان قال: وابن القَسْطلّاني شيخ صدوق متخلِّق محبوب للعوامّ، مشتغل بالحديث، له سماع كثير ورحلة، نقله الصاحب بهاء الدين من مكة وولّاه مشيخة الكامِليَّة، وله نظم ونثر وتواليف، وكان بينه وبين ابن سَبْعين، عداوة، إذ كان يُنكِر عليه أحواله، صنّف في الطائفة التي يَسلُك ابن سَبْعين طريقهم، فبدأ بالحلَّاج وختم بالعفيف التِّلِمساني.
وكان مَأمًّا للمساكين والفقراء الواردين إلى القاهرة، يعمل لهم سِماطًا ويَبَرُّهم، ويُعِين كثيرًا منهم على الحجّ.