المجاهد شِيركُوه ولدِ ناصر الدين محمد، فمَلَكَها نيِّفًا وخمسين سنة، وتوفي سنة سبع وثلاثين وست مئة، وتملَّك بعده ابنُه الملك المنصور إبراهيم، فبقي إلى أن توفي عَقِيبَ هزيمة الخُوارزمية بدمشق ببستان النَّيْرَب في صفر سنة أربع وأربعين، ونُقل ودُفن بحمص، فتملَّك ابنه ابنه الملك الأشرف مظفَّر الدين موسى بن إبراهيم وله سبع عشرة سنة، ووَزَرَ له المُخلِص، وشدَّ منه صاحب مصر، فضايقه صاحب حلب، وأخذ منه حمص وجَرَتْ أمور طويلة.
ثم إنَّ الأشرف صار مع الملك الناصر، وسار معه لأخذ مصر، فانكسر الناصرُ وأُسِرَ هذا فيمن أُسر، وحُبس مدةً، ثم أُطلق في سنة إحدى وخمسين، فعاد إلى معاداة صاحب الشام الناصر، وصارت له الرَّحبة، واتخذ قُصّادًا، وربما كاتب المغول، فلما استولوا على الشام قصد الأشرفُ هولاكو ففرح به وأكرمه، واستعان به في تسليم قلاع، واستنابه على الشام أو بعضها وأعاد إليه حمص، فلما مرَّ به الملك الناصر في وقعة التتار وبَّخه وعنَّفه، وبعث إليه صاحبُ مصر يستميله، فأجاب لما رأى من أمر التتار، وطلبه كُتْبُغا بحضور مصافِّ عين جالوت، فأقبل وكان بدمشق يومئذ، فلما هُزِمَ العدوُّ هرب هو والزين الحافظي الأمير إلى الشام، ثم أجلي الأشرفُ منهم من ناحية قارا فذهب إلى تَدمُر، وقدم بأمان على السلطان قُطُز إلى دمشق، فأقرَّه على مملكة حمص، وتوجَّه إليها.
ثم إنه مَحَا هَنَاته بوقعة حمص الأولى، فجمعت التتار وخافوا هولاكو ورجعوا للحرب، فبَرَز لهم الأشرف وصاحب حماة المنصور سنة تسع وخمسين، فنزل النصر، وقُتل من التتار خَلْق، وفرح المسلمون.