وقيل: إنَّ مدينة جزيرة ابن عمر مات بها نحو خمسة عشر ألفًا، وباعوا من أولادهم نحو ثلاثة آلاف صبيٍّ، كان التتار يشترون الصبيَّ من أبيه بعشرين درهمًا وإلى خمسين، وكانت الكلاب تأكل في الموتى، وتأوي إلى الجامع، وبَطَلَت نحو أربع جُمَع، ولم يبق بمَيّافارِقين سوى سِتِّ حوانيت، وباع بالمَوصل إنسانٌ ولده باثني عشرة درهمًا، وقال: غرمتُ على طَهُوره خمسين دينارًا، وبقيَ بعضهم يتوقَّف في شراء أولاد المسلمين، فكانت البنت تقول: أنا نصرانية لتُشتَرى، وتكون مسلمة، تفعل ذلك من الجوع.
ونَزَحَ من إربل نحو أربع مئة بيت إلى جهة مَرَاغة، فماتوا من الثلج، وبقيَ بإربل بعد خمسةَ عشرَ ألف بيتٍ نحو خمس مئة بيت.
ولقد حدَّثني الفقيه بهاء الدين المَوصِليّ الحنبليّ عجائبَ عن غلاء الجزيرة والعراق من ذلك: أنَّ رجلًا باع ابنه برغيف فأكله، ثم مات. وأما أكل الكلاب والمَيتة فشائع ذائع، وأُكلت لحوم الآدميِّين.
قال: ودام ذلك القحط أربع سنين، وجرى ما لا يعبَّر عنه، أكلتُ وأهلي في نهارٍ خبزًا بثمانية عشر درهمًا، واشتريت هيكلًا بدرهم يساوي ثلاثين، وأخذت "الهِداية" بخطٍّ جيِّد بدرهم.
قلت: أما أهل بغداد فكانوا في القحط، لكن ما باعوا الأولاد، ولا شاع فيهم أكل الجِيَف، قلَّت عليهم الأمطار، وسببُه أولًا جرادٌ عظيم، وخربت القرى، مع جَوْر التتار بموت القان خَربندا.