من الرُّذَالة، وهوَّن لهم أمرَ الشرائع، وأراهم بوارق شيطانية، وكان له قوة تأثير وتصرُّف في الجَهَلة، فقصده أناس فضلاء للسلوك، فرأوا منه بلايا منافية للشَّرع، فشَهِدوا عليه بما يُبيح الدم، منهم شيخُنا الإمام مجد الدين التُّونسي وخطيب الزنجيلية ومحيي الدين ابن الفارعي والشيخ أبو بكر ابن شرف، وجُنَّ أبو بكر هذا أيامًا ثم عقل، وحُكيَ عنه التهاون بالصلوات، وذِكرُ نبيِّنا باسمه من غير تعظيم ولا صلاة عليه، حتى يقول السامع: ومَن محمدٌ هذا؟ فحَكَمَ القاضي جمال الدين الزَّوَاوي بإراقة دمه بشهادة عدد اعتَمَد منهم على ستة، فاختفى، ثم تَسحَّب إلى العراق، وسعي أخوه بجاه بيبرس العلائي إلى القاضي الحنبلي، فشَهِدَ نحوُ العشرين بأن الستة بينهم وبين الشيخ عداوة، فعَصَمَ الحنبلي دمه، فغضب المالكيُّ وجدَّد الحكمَ بقتله.
وبعد مدة جاء من الشَّرق، فنزل بالقابُون متخفِّياً إلى أن مات في ربيع الآخر سنة أربع وعشرين، وله ستون سنة، وكان أصحابه يقصدون قبره يوم الجمعة ويتركون صلاة الجمعة.
قال البِرْزالي: وفي ذي القَعدة سنة أربع وسبع مئة حكم المالكيُّ بقتل ابن الباجُربَقي وإن تاب، وكان شُهِد عليه بأمور لا تَصدُر من مسلم من الاستخفاف بالدِّين والكلام في الله تعالى ورسوله ونحو ذلك.
حدَّثَني قاضي القضاة أبو الحسن السُّبْكي: أنه اجتَمَع بمصر بابن الباجُربَقي، فذكر أنه قال له محيي الدين ابن العربي: إنه غضبان على أصحابه، قال: فأنكرتُ هذا وقلت: لعلَّ هذا في النوم! فما أعجَبَه هذا مني.
وحدَّثَني فقيه: أن الباجُربَقي قال: إن الرُّسل طوَّلت على الأُمم الطُّرقَ