للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

لطيفة، لا طلب تدريسًا ولا فُتْيا، ولا زاحَمَ على الدنيا.

سمعنا بقراءته الأجزاءَ، وكان ربما يكتب الأسماء والطِّباق ويُذاكِر، وبقي مدة على خزانة الضِّيائية، فلما توفي القاضي تقي الدين سليمان عُيِّن للقضاء وأُثني عليه عند السلطان بالعلم والنُّسك والسَّكينة، فرَغِبَ فيه وولَّاه القضاءَ فتوقف، وطَلَع إليه الشيخ تقي الدين بن تَيْمية إلى بيته وقوَّى عزمَه ولامَه، فأجاب بشرط أن لا يَركَب بغلة، ولا يأتي موكبًا، فأُجيب، فكان ينزل إلى الجَوْزية ماشيًا، وربما ركب حمارًا للمُكَاري، وكان مِئزرُه سجادتَه ودواةُ الحُكْم زجاجة، واتَّخذ فَرْجيّة مُقتصِدة من صوف وكبَّر العِمامة قليلًا، وكان يَليق به الزهدُ والاقتصاد، وكذلك كان حاله في نفقته ومَأكله، فنَهَضَ بأعباءِ الحُكم بعِلْم وحِلم وقوة في تَؤُدَة ورَزَانة، وعمَّر الأوقاف وحاسب العُمّال وحرَّر الإسجالات.

وقد عمَّر دارًا حَسَنة وجنينة صغيرة، وحُمِدت قضاياه، ولازم الورع والتحرِّي، ولاطَفَ العُتاةَ، فلم يرض بعضهم، وحكم إحدى عشرة سنة، وشهد له أهلُ العلم والدِّين بأنه من قُضاة العَدْل، وكان ديِّنًا صيِّنًا نهّاءً عن المنكر، له تلاوة وأوراد وتعبُّد واعتكاف، وحجَّ مرات.

وقد خرَّج له ابن سعد "الأربعين المتباينة الإسناد"، وخرَّج له المِزّي "تُساعيات"، وخرَّجت أنا له جزءًا، وأجاز له من مصر جماعة من أصحاب البُوصيري، وكان مُكثِرًا عن ابن البخاري وابن الكمال.

وقد أُوذي بالكلام لكونه ذَبَّ عن ابن تَيميَّة، فتألَّم وكَظَم.

وسارَ للحج والمجاوَرة، فتمرَّض من العُلَا وضَعُف، فلما قدم المدينة تحامَلَ حتى وقف مسلِّمًا على النبي ، ثم أُدخل إلى منزل، فلما كان في

<<  <  ج: ص:  >  >>